صراع الأجيال
ليست بدعة و لا ظاهرة خبيثة تلك التى تتبدى فى الصراع بين الآباء و الأبناء ، و إنما هى سُــنة الحياة و دأب التطور .. بل يجزم علماء الاجتماع أن هذا الصراع هو الدافع الأصيل لتطور المجتمع .. بدونها تركد الحياة الاجتماعية و يتوقف نمو الجتمع .
فالآباء يمثلون التعقل و الشباب يمثلون القوة ، الآباء يمثلون التروى و الأبناء يمثلون التدفق ، الآباء هم الحكماء و الأبناء هم العلماء !! .
الآباء .. نتيجة للتحفظ الذى أملته الحياة على أسلوبهم فى التعامل مع الواقع .. يصرون على كبح جماح التدفق الشبابى ، و الشباب – بفضل العلوم الحديثة المكتسبة التى يمتازون بها عن جيل الآباء – يفضلون الانطلاق نحو بناء جديد للمستقبل يحققون فيه ذواتهم و يمارسون فيه حرياتهم ..
الآباء ينظرون إلى الآبناء نظرتهم إلى شباب نزق لا ينظرون إلا إلى تحت أقدامهم ، و لا يقدرون النتائج الناجمة عن الاندفاع ، و الأبناء ينظرون إلى الآباء على أنهم حجر عثرة فى طريق الهرولة إلى المستقبل .
كذلك فإن الشباب يمرون بفترة من فترات العمر تتميز بالإحساس بالذات و الشبوب عن الطوق ، أنهم قد أصبحوا ذوى شخصيات مستقلة تستطيع أن تتخذ القرار و أن تناضل فى سبيل تحقيقه ، تمتلئ قلوبهم و عقولهم بطموحات المستقبل و أحلام اليقظة .. و لا بد من نيل حريتهم انتزاعا من أيدى جيل الآباء الذى يحرمهم من حتى إبداء الرأى و الشعور بالاستقلالية و خصوصية الحياة ، و هم ينظرون إلى الآباء – كرد فعل لهذه الرجعية (من وجهة نظرهم) على أنهم كائنات تنتمى إلى الماضى و لا تستطيع النظر إلى المستقبل .
إنها معادلة صعبة : كيف يمكن أن يستفيد المجتمع من إندفاع الشباب المصان من الزلل بحكمة الشيوخ ؟!
لا بد من اتخاذ الديمقراطية أساسا للتربية :
1- فى المنزل : لا بد أن يؤخذ فى الاعتبار آراء الأبناء فى كل ما يمس حياة الأسرة ، خصوصا فيما يتصل بمشاكلهم الخاصة .. و اسمحوا لى أن أذكر فى هذا المجال تجربة خاصة بى حين كان أبنائى فى مرحلة التلقى التربوى .. كنت أعقد ما كنا نسميه " برلمان الأسرة " .. كنا نناقش فيه – أنا و زوجى ( لا تقل زوجتى !!) و أبنائى مشاكل الأسرة و متطلباتها ، و كان كل منا يورد رأيه و أفكاره ، التى تناقش فى الجلسة ، و لا بد أن يقتنع بها بقية الاعضاء .. و فى بعض الأحيان كان رأى الأبناء هو الذى يؤخذ به بعد المناقشات المستفيضة !! .. أما المشاكل الخاصة بأبنائى : فكان لهم الجانب الأكبر من العرض و الرأى و الاعتراض – بأدب بالغ و عدم خروج عن القيم – و كنا نقوم بالنقد و التقويم .
2- فى المدرسة : أنشئت مجالس اتحادات الطلاب لتكون عونا و عنصرا مساهما فى إدارة المدرسة .. و فى ذلك تدريب للشباب على الحياة الديمقراطية و إبداء الرأى و تقبل النقد و الآخر .. و لكن لعدم الإيمان بالفكرة فقد أصبحت هذه المجالس ديكورا فى كل المدراس .. ينبغى تفعيل دور هذه المجالس : امتصاصا لاندفاع الشباب من ناحية ، و تأكيدا لهم على حريتهم و استقلال شخصياتهم .
3- لا بد لكل وسائل الإعلام أن تركز اهتماما أكبر على الشباب .. برامج أكثر يديرها الشباب ، يناقشون فيها مشاكلهم و يمارسون فيها حرياتهم و يؤكدون ذواتهم .
4- على مؤسسات الدولة أن تستفيد بالنابهين من الشباب ، فتتخلى عن مبدأ الأقدمية فى تولى المناصب الرسمية الذى هو فى الحقيقة فى صالح الكبار ، فتفتح الباب للاستفادة من حيوية الشباب فى تطوير العمل فى هذه المؤسسات .
تلك كانت بعض المقترحات ، و لا شك أن الكثير من أبناء هذا المنتدى لديه الكثير من الإضافات الثرية المثرية .
حفظ الله شباب أمتنا و هداهم إلى سواء السبيل ، فهم العماد الذى تستند إليه الأمة و هم الجنود البواسل الذين يحمون حاضرها و يبنون مستقبلها .
مصطفى سلام
18 يوليو 2006
No comments:
Post a Comment