Wednesday, January 27, 2010

العقل و العقائد

العقل


و العقائد


ردا على الأستاذة شعاع من نور



إنك لا تستطيع أن تنقل إلىّ إحساسك بطعم الفراولة حين تذوقها ، و لا يمكنك أن تقل إلى إعجابك بأغنية الأطلال لأم كلثوم ، و لا انتشاءك بمنظر الشمس عند الغروب ..
لكنك تستطيع – إن كنت مهندسا – أن تنقل إلى فكرة أن المثلث مجموع زواياه 180 درجة ، أو كنت مفكرا أن تنقل إلى فكرتك عن أهمية الأخلاق فى بناء المجتمع ، و إن كنت عالما تجريبيبا فليس بالعسير عليك أن تنقل إلى فكرة غليان الماء ..
إذن فما يدرك بالحس ، و ما يدرك بالذوق لا يمكن تناقله بين الناس ، و لما كانت المعرفة العلمية – رياضية أو تجريبية - تقوم على أساس إمكان انتقالها من فرد إلى آخر ، كما يمكن البرهنة عليها ، لما كان ذلك كذلك فالحواس وحدها لا يمكن أن تكون أداة للعلم ، و الذوق و الوجدان كذلك .
أما العقل فهو الأداة الوحيدة التى يمكن أن يقوم عليها العلم – سواء كان يقينيا كالرياضيات و المنطق ، أو احتماليا كالعلوم التجريبية بصفة عامة .
هذه قاعدة عامة ، فإذا انتقلنا إلى الجانب الدينى ، وجدنا نفس القاعدة تقريبا .. فهناك مقولة تؤكد أننا ( نعرف الله بالعقل ، و نعبده بالشرع ) .. ففى مجال الدين يوجد ركن ركين للعقل .. يؤكد ذلك آيات بينات من القرآن الكريم ، لعل أبرزها افتتاح الوحى بقوله تعالى : " اقرأ .. " فالقراءة ما هى إلا تلاوة لما نكون قد توصلنا إليه من علم ، أو هى تأمل و قراءة لمعجزات الله فى الكون .
و لقد وجدنا فى بعض الأديان نظرة مثيلة للعقل : " فها هو ديكارت – أبو فلاسفة العقل – لم يؤمن إيمانا يعتمد على العقل و اليقين ، و إنما على أساس ما تلقه فى صغره عن أبويه " (1) ، و إن كان قد حاول أن يقيم الدليل العقلى على ما آمن به ..
أما باسكالالمفكر المسيحى الفرنسى – فقد كان يخاطب العقل بقوله : " لتصمت أيها العقل الغبى ، أيها العقل العاجز ، الذى لا شأن له بالحديث فى هذه المشاكل الكبرى "(2) ... لقد كان باسكال يقول بأن الإيمان هو نوع من المقامرة التى يضحى بها الإنسان بعقله من أجل عقيدته !! (3)
و إذا ما أردنا أن نضرب مثلا بالعقلانيين المسلمين .. فليكن مثالنا هو فيلسوف قرطبة ابن رشد (1126-1198 م ) ..
يرى ابن رشد أن الحق واحد سواء وصلنا إليه بالعقل أو بالنقل (الدين) ، فـ " الحق لا يضاد الحق و إنما يوافقه و يشهد له " – كما قال فى كتابه " فصل المقال فيما بين الحكمة و الشريعة من الاتصال " (4) – أى أن الحق – الذى نصل إليه بالعقل ، لا يضاد الحق الذى نصل إليه بالدين ..
و هكذا نجد أن فلاسفة المسلمين – فى جملتهم – من أنصار العقل ، و أن فريقا لا بأس به من الفرق الآسلامية – كالمعتزلة – تؤمن بإعمال العقل .
و لقد أتى على العالم الإسلامى حين من الدهر سيطرت فيه أفكار صوفية مؤداها أن العلم الحقيقى إنما يقذفه الله فى قلب العبد ( العلم اللدُنىّ) بعد أن يتقرب إلى الله و يصفى نفسه من أدران المادة .. و لما كان هذا العلم مجرد ذوق و وجد صوفى ، فإنه بالتالى لا يمكن نقله إلى الآخرين ، و من هنا سقط هذا اللون من ميدان العلم الحقيقى .
فإذا انتقلنا إلى المكرين المعاصرين ، سنجد على رأس المؤمنين بالعقل و دوره الإمام محمد عبده ( 1849 – 1905م) ، قد عنى بدراسة المنطق باعتباره أداة العقل – و تدريسه بالأزهر ، و قام بشرح رسالة " تهذيب المنطق لسعد الدين التفتازانى ، ثم كتب كتابه الأوفى فى علم الكلام : "رسالة التوحيد " .
"
إن محمد عبده كان عظيم الثقة بالروح العلمى و برسالة العلم ..... و أخيرا صون استقلال الذهن و الحرص على أن لا يذعن إلا للحق " (5)

نخلص من هذا إلى أن العق له دور فعال فى مسألة الإيمان ، فليس من المنطقى أن نقول " سمعنا و أطعنا دون أن نقتنع بما سمعناه ، و بم يتم هذا الاقتناع ؟ .. لا نختلف أنه : بالعقل ... إذ أننا نعقل ثم نؤمن .. فإذا آمنا بأساس العقيدة ، سلمنا بكل ما أتى به رسول الله صلى الله عليه و سلم .

هذا فى مجال الإيمان ، أما فى مجال العلم .. فهو العقل : الأساس و المنهج .

مصطفى سلام


-------------------------------------
(1)
د. محمود قاسم : ابن رشد : الفيلسوف المفترى عليه .
(2) Pascal: Confessions (2)
(3)
د. محمود قاسم – المرجع السابق ص 59
(4)
فصل المقال : ص : 35
(5)
د. عثمان أمين : رائد الفكر المصرى – محمد عبده ص: 77

No comments:

Post a Comment