Friday, January 29, 2010

شاعر الأطلال


شاعر الأطلال


الزمان : 25 مارس 1953

المكان : عيادة الطبيب الدكتور ابراهيم ناجى

المنظر : الدكتور ابراهيم ناجى يقف بين مرضاه

الواقعة : الدكتور ابراهيم ناجى يسقط ميتا بالسكتة القلبية بين مرضاه .

اختطف الموت الشاعر الرقيق الموهوب , فجزعت عليه محافل العلم و الأدب و الشعر , و بكوا فيه الأخلاق و النفس الصافية و الأخوة الصادقة .

لقد أحيا ناجى بشعره الرقيق ليالى القاهرة فى ديوان الرائع الذى يحمل نفس السم ( ليالى القاهرة ) .. ما من أديب عربى زار مصر فى ذلك الحين إلا و سعى للقاء هذا الشاعر الرقيق الحاشية .

أرثى لخط الأفق و هو الذى .. يرمقنى بالمقلة الساخره

و تهرب الأنجم هذى و ذى .. و يجثم الليل على القاهره

جمع الدكتور ناجى فى ثقافته بين العلم و الطب و علم النفس و علم الاجتماع و النقد الأدبى و القصص .. و قد كان فى طليعة الشعراء العاطفيين الغنائيين , و كان وكيلا لجمعية أبوللو إبان رئاسة خليل مطران لها .

إذا كان الشعر موسيقى و نغم , فلا شك أن ناجى كان من أبرز أولئك الشعراء الموسيقيين , فقد كان يمتاز بحاسة موسيقية فذة .. كان مدركا لأسرار الجمال :


من شعره فى الغزل :

يا حنانا كـَيـَـد الآسى الرءوم .. و شعاعا يُشتهى بعد الغيوم

أنا فى بعدك مفقود الهدى .. ضائع أعشو إلى نور كريم

أشترى الأحلام فى سوق المنى .. و أبيع العمر فى سوق الهموم

لا تقل لى فى غد موعدنا .. فالغد الموعود ناء كالنجوم

و يقول :

لعينيك احتملنا ما احتملنا .. و بالحرمان و الذل ارتضينا

و هان إذا عطفتِ و لو خيالا .. و أين خيالك المعبود أينا ؟

و يقول :

و منتظر بأبصارى و سمعى .. كما انتظرَتك أيامى جميعا

و هل كان الهوى إلا انتظارا .. شتائى فيه ينتظر الربيعا !

معظم شعره فى الغزل و الحب و العواطف , و قد نظم ملحمتين معروفتين هما ( ليالى القاهرة ) و ( مخدع غانية ) ضمنهما كثيرا من تجاربه العاطفية , و كتب أيضا فى أغراض الشعر الأخرى , و فى كل كتاباته كان يخلط شعره بحالاته النفسية و آماله و آلامه الخاصة .

لقد أتى هذا الشاعر فى فترة مخاض تنبئ عن مولد لون جديد من الشعر ولقد عانى من مرارة النقد : سواء بسبب لون الشعر الذى ابتدعه و زملاؤه فى جماعة أبوللو أو بالنسبة لموضوعاته .

و بالنسبة لرومانسيته , فلا خلاف عليها فهو شاعر الإحساس حقيقة .. أما موضوعاته .. فقد كثر فيها شعر الإخوانيات , و المدح و الرثاء و حفلات التكريم .. مما دعا طه حسين إلى وصف شعره بأنه شعر صالونات .. و لكن طه حسين نفسه عاد و مدحه فقال : " إنه موفق فى المعانى و الألفاظ و فيما اتخذ من الأساليب , معانيه جديدة تصل إلى حد الروعة " .. و قال عنه أيضا :" شاعر مجيد تألفه النفس و يصبو إليه القلب , و يأنس إليه قارئه أحيانا , و يطرب له سامعه دائما " .

و قالت عنه أم كلثوم : " و قد رأيته حين كان يزور نقابة الموسيقيين , و كان يبدو يائسا محطما, تحس أنه يطوى صدره على قصة حب بلا أمل .. كنت أحس فيه رقة المشاعرالتى لا بد أن تؤتى ثمارا فنية طيبة , سواء شعرية أو موسيقية .... و لعل الذى يميز ناجى صدق أحساسه , فإن صدق الإحساس هو شرط النجاح فى أى عمل فنى "

و قد غننت له أم كلثوم , و غنى له عبد الوهاب .

غنى له عبد الوهاب قصيدة رائعة هى : القيثارة التى اختار عبد الوهاب أبياتها من قصيدة " الخريف " :

أى سر فيك , إنى لست أدرى .. كل ما فيك , من الأسرار يغرى

خطر ينســاب من مفـــتر ثغر .. فتنة تعصــف من لفـــــــتة نحر

قدر ينسج من خصـــــلة شعر .. زورق يســـــبح فى موجة عطر

فى عباب غامض التيار يجرى .. واصلا ما بين عينيك و عمرى

يا لها من روعة إحساس شاعر , و لله در عبد الوهاب إذ لحنها و غناها !!!!

أما أم كلثوم فقد غنت له – على ما أذكر – قصيدتين :

1- مصر : " أجل إن ذا يوم لمن يفتدى مصرا .. فمصر هى المحراب و الجنة الكبرى

2- الأطلال : و هى مزج عبقرى قامت به كوكب الشرق من قصيدتين لناجى :

أولاهما : قصيدة الأطلال : فاختارت منها 22 بيتا ( و غيرت و بدلت فى ترتيبها )

ثانيتهما : قصيدة الوداع : حيث اختارت منها سبعة أبيات ( تبدأ بـ هل رأى الحب سكارى .. و تنتهى بـ:

و إذا الدنيا كما نعرفها )

مصطفى سلام

No comments:

Post a Comment