Tuesday, January 26, 2010

العقل

العقل



تخلفت أوروبا طوال فترة العصور الوسطى , فقد توقف عمل العقل الأوربى , وساد الفكر الثيوقراطى الذى ربط كل فكر بالمفهوم الكنـــسى للدين , و كان أرسطـــو- 384- 322 ق.م - فلسفته و منطقه – هو المرجع و الملاذ , ُيتهم كل من يعارضه بالهرطقة و الخروج عن الدين .

ساد الظلام و الجمود نتيجة إهمال إعمال العقل .

وفى بداية عصر النهضة الأوربية – تحديدا خلال القرن السابع عشر .. بدأ التمرد على الجمود و على أرسطو و فلسفته , و بدأت الدعوة إلى تحرير العقل .

قام ديكارت الفرنسى : 1596 – 1650 , و قاد حركة التمرد و وضع كتابه المسمى : " مقال فى المنهج Discour à la méthode " و تلاه فرانسيس بيكون الإنجليزى : 1561- 1626, الذى وضع كتابه الأورجانون الجديد Organon Novum – أى الأداة الجديدة - .. كلاهما دعا إلى طرح كل ما لا يخضع للعقل , و البدء اعتمادا على نبذ أرسطو و فلسفته التى تجمدت عندها العقلية الأوربية .

و لم تكن تلك أول دعوة للعودة إلى العقل , فقد سبق بها – فى الفكر الإسلامى – كثيرون , كالمعتزلة و ابن رشد الذى كتب كتابا يعلى فيه من شأن العقل سماه : " فصل المقال فيما بين الحكمة و الشريعة من الاتصال " , و فيه يرى أن النص الدينى له وجهان : ظاهرى و باطنى , فإن اختلف المعنى الظاهرى مع مقتضيات العقل , وجب علينا أن نبحث عن المعنى الباطنى , أى من المعنى المباشر أو الحسى إلى المعنى العقلى .. و كان ابن رشد فى هذا مناقضا للإمام أبى حامد الغزالى (505 هـ ) .

و كانت صيحة ابن رشد هذه مبدأ الصرخة الأوربية الداعية إلى العقل , فقد وصل الفكر الأوربى إلى مبدأ : " لا سلطان على العقل إلا العقل نفسه " , و يقول الفيلسوف الألمانى إيمانويل كانط – 1724- 1804 : " كن جريئا فى إعمال عقلك من غير معونة الآخرين " .

اليوم : هل العقل العربى قادر على الإبداع , و إن كان فما الذى يعوقه ؟

لقد كان لعصور طويلة من الإستعمار – عثمانى و غير عثمانى – أثر رهيب فى ضمور العقل العربى و تخاذله عن الإبداع رغم قدرته عليه , ثم حين تولى بلاد العرب أبناؤها , ساروا على الدرب و النهج الذى سلكه الاستعمار , إن قدرة العقل على الإبداع كامنة بداخله , يلزمها محيط اجتماعى محفز .. احترام العقل , احترام المفكرين , تقدير العلماء , و لا يتم هذا إلا فى إطار من الديمقراطية الحقيقية التى تعنى التخلص من هيمنة القوى الاجتماعية المتخلفة على أمورالمجتمع و السلطة السياسية , مما يعوق قدرة العقل على النقد الذاتى و الانطلاق إلى ميادين الإبداع الرحبة .

يحلو للبعض أن يذكر نماذج للعقلية العربية حين تهجر الوطن مستوطنة أوطانا غربية , فتبزغ و تتدفق إبداعاتها .. أليس ذلك دليلا على صدق المقولة : أن قوى المجتمع : سياسية و مدنية غير مهيئة لقبول الإبداع , بل و اضطهاد المبدعين ؟

مصطفى سلام

No comments:

Post a Comment