Tuesday, January 26, 2010

العالم بين ابن عربى و ليبنتز

العالم

بين ابن عربى و ليبنتز



محيى الدين بن عربى هو أحد كبار المتصوفة من ذوى النزعات الفلسفية ، ولد بمرسية بالأندلس فى رمضان سنة 558 هـ (1164م ) ، و اسمه كاملا هو : محي الدين محمد بن علي بن محمد بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي ، و يلقب بالشيخ الأكبر ، و توفى بدمشق عام 638 هـ (1240 ) و فيها دفن بجبل يسمة جبل قاسيون .

و الشيخ من أصحاب مذهب وحدة الوحود الذى يرى الوحدة فى الوجود بين الموجد و الموجود ( الله و العالم )، فالوجود كله حقيقة واحدة و إدراك ذلك لا يكون بالعقل لقصوره و لا للحواس لعجزها و إنما بالذوق الصوفى – و لقد ذهب إلى أنه قد تكشف له من أسرار الوجود ما تقطع دونه الرقاب . و لآرائه الصادمة للفكر الإسلامى فى ذلك الحين فقد اتهم الرجل فى دينه و رماه الشيوخ بالكفر والزندقة .

يتميز أسلوب محى الدين بن عربى بالغموض و الصعوبة البالغة حتى أنه لمن الصعب العسيرفهمه إلا للمتخصصين ، و لعل أبرز كتاباته كتاب " الفتوحات المكية " الذى أثار نشره فى مصر منذ عدة سنوات إلى ضجة هائلة وصلت إلى استجواب فى مجلس الشعب – استنكار لما بالكتاب من أفكار لا يقبلها صحيح الدين – كما يقولون . ( أعتقد أن أحدا من أعضاء هذا المجلس لم يقرأ هذا الكتاب لأنه بالقطع يستعصى على أفهامهم ) .

و للعقيدة عنده أربع مراتب:

أولاها هي عقيدة العوام من أهل الإسلام، أهل التقليد وأهل النظر، وهي التي سنذكرها أدناه، وهي العقيدة العامة التي يجب على كلّ المسلمين إتّباعها وخلاصتها أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولكنه يضيف بعض التفصيل العام لتنزيه الله تعالى عما تصفه به بعض الفِرق مثل المجسّمة والمشبّهة وغيرهم.
والمرتبة الثانية من العقيدة يسميها الشيخ عقيدة الناشئة الشادية، وهي التي تتضمن مآخذ الأدلة في الفلسفة الإسلامية والتي يحتاج إليها من يناقش العلماء والفلاسفة، وقد ذكرها الشيخ محيي الدين أيضاً في بداية الفتوحات المكية بلفظ مسجوع وعبارة موجزة، وسماها أيضاً "رسالة المعلوم من عقائد أهل الرسوم".
والمرتبة الثالثة في العقيدة هي عقيدة خواص أهل الله، من أهل طريق الله، من المحققين أهل الكشف والوجود، وقد ذكرها الشيخ الأكبر أيضاً في كتاب سماه "المعرفة".
وأما المرتبة الرابعة فهي عقيدة الخلاصة الذين هم خلاصة خواص أهل الله تعالى، فما أفردها الشيخ الأكبر على التعيين ولم يصرّح بها، لما فيها من الغموض، ولكن جاء بها مبدّدة في أبواب الفتوحات المكية مستوفاةً مبيّنةً، لكنها كما يقول متفرقة؛ فمن رزقه الله الفهم فيها يعرف أمرها ويميزها من غيرها، فإنها، كما يقول الشيخ الأكبر، العلم الحق والقول الصدق، وليس وراءها مرمى، ويستوي فيها البصير والأعمى، تلحق الأباعد بالأداني، وتلحم الأسافل بالأعالي، فالأمر كلّه دوري، ونهاية الدائرة متصلة ببدايتها.

و فى هذه المقالة محاولة لتبسيط وجهة نظر الإمام الأكبر ( كما يسميه أتباعه ) فى العالم .

فهو يرى أن العالم الذى نعيش فيه هو أفضل عالم ممكن و إذا خيل لأحد أن بالعالم نقصا أو اعوجاجا فإنه لا يعرف سر الخلق و الحكمة الإلهية ، فهذا الاعوجاج هو من كمال الخلق ، كما أن اعوجاج القوس هو عين استقامته فإذا أردت أن تقيمه على الاستقامة كسر ، و العلماء وحدهم هم من يدركون الكمال فى خلق الله .

· " النقص فى العالم من كمال وجوده " و إن شئت قلت من كمال العالم ، إذ لو نقص النقص من العالم لكان ( هذا العالم ) ناقصا ، و الكمال المطلق لله وحده

· العالم غاية فى الكمال لأنه من صنع الله الذى له الكمال وحده ، و لا يصدر من الكمال شئ إلا كان على درجة محددة من الكمال تليق به إذ لابد أن تبدو صفة الصانع فى صنعته

· الكمال ذاتى فى الأشياء و النقص عرضى .

· العالم جميل و هو جدير بالحب رغم ما قد يوقعنا عليه الحس من بعض ضروب النقص

· ذلك أن العارفين قد تكشف لهم أن هذا العالم بأسره غاية فى الجمال و ليس فيه شئ من القبح ، بل قد جمع له الحسن كله و الجمال كله ، فليس فى الإمكان أبدع و لا أجمل و لا أحسن من هذا العالم ذلك لأن هذا العالم مرآة ينعكس عليها المعانى الإلهية ، و الله جميل و الجمال محبوب لذاته

· لهذا ينبغى أن نرضى بالواقع فلا نحقر شيئا فيه ، فهذا التحقير لا يصدر عن امرئ يتقى الله .

و من يقرأ للفيلسوف الألمانى ليبنتز (1)Leibniz يفاجأ بنظرية تكاد تكون صدى لنظرية الإمام الأكبر ابن عربى .

فيرى ليبنتر أنه قد كان فى مقدور الله أن يخلق عددا لا نهاية له من العوالم ، فلماذا اخنار الله هذا العالم بالذات ليخرجه إلى الوجود ؟ .. لا بد أنه – سبحانه – قد اختار – كما يقول ليبنتز – أكثرها تجانسا و أرقاها فى درجة الكمال ، حيث تتحقق من جراء ذلك أكمل الغايات ز و يقول ليبنتز :

" السبب فى وجود أفضل عالم ممكن ينحصر فى أن الحكمة الإلهية هى التى تكشف للعلم الإلهى أن رحمة الله هى التى تحدد اختياره لهذا العالم ، و أن قدرته هى التى تخلقه ( كتاب المونادولوجى لليبنتز)

فالحكم الإلهية هى السبب فى خلق أفضل عالم ممكن ، و ليس فى الإمكان أن يوجد شئ أفضل مما اختاره الله برحمته و خلقه بقدرته و حدد غاياته بحكمته .

(1) الاسم : جوتفريد فلهلم ليبنتز . Leiniz

ولد فى ليبزج بألمانيا سنة 1646 و توفى سنة 1716 فى هانوفر

· فيلسوف عقلى

· ابتكرحساب التفاضل و التكامل – مستقلا عن نيوتن و الكميات متناهية الصغر

· متفائل – يحتل مكانا بارزا فى فلسفة القرنين السابع عشر و الثامن عشر

· له اسهامات :

· اكتشاف النظام الثنائى Binary System الذى يقوم عليه بناء الحواسب الحديثة

له بصمات فى علم المنطق و الفيزياء والتكنولوجيا و البيولوجيا و نظرية الاحتمالات و علم النفس و اللغويات و السياسة و القانون و الأخلاق و الدين و التاريخ – إلى جوار الفلسفة

مصطفى سلام

No comments:

Post a Comment