Wednesday, January 27, 2010

اللغة

اللغة


(أداة للتواصل و مظهر للتفكير )


فى مقال لها عن اللغة , تعرضت الأستاذة لميس الإمام فى مقال لها للرؤى الفلسفية لمفهوم اللغة و وظيفتها و علاقتها بالفكر : أهى أسبق منه أم لاحقة عليه .

و ها هنا فإنى أحاول أن أتناول الموضوع من زاوية أخرى , من منظور علم النفس و علم الألسنية .

فالإنسان هو الحيوان الوحيد القادر – حسب قول أرسطو – على ترجمة أفكاره و مشاعره إلى رموز ( ألفاظ) و عبارات مفهومة لدى أبناء مجتمعه .. رغم أنه قد يكون لدى الحيوان – كالنحل مثلا – وسيلة مختلفة ( لغة ) للقيام بمثل هذا الدور.

و قد وضع بعض الباحثين عددا من الخصائص التى تتميز بها اللغة الإنسانية عن غيرها , منها :

1- أنها تتسع للتعبير عن المعارف و التجارب و الخبرات الماضية و الآمال فى المستقبل .

2- أنها رموز اصطلاحية غير مباشرة .

3- لدى الإنسان وعى بالعلامات التى يستخدمها قصدا على أنها وسائل لتحقيق الأغراض .

4- يستخدم الإنسان اللغة فى التعبير عن الأشياء العيانية الملموسة , كما يستخدمها للتعبير عن الأفكار المجردة .

5 - يستخدم الإنسان اللغة للتعبير عن أشياء أو أحداث بعيدة عن المتكلم زمانا و مكانا .

6 - يعمم الإنسان الألفاظ التى يستخدمها للإشارة إلى أشياء متشابهة ( فيطلق مثلا كلمة مستطيل على المائدة , الملعب ..الخ )

7 – لغة الإنسان تتألف من وحدات و قواعد للتأليف بين الوحدات (حروف و كلمات و جمل و تراكيب ) .

8 – لغة الإنسان محكومة بقواعد يفرضها عليه المجتمع الذى ينتمى إليه .

9 – تتنوع اللغة بتنوع الجماعات و بفعل عاملى الزمان و المكان .

10- يكتسب الفرد لغته من المجتمع الذى يعيش فيه .

و لقد اهتم الفلاسفة الأقدمين باللغة , فها هو أفلاطون يرى أن اللغة ظاهرة معقدة , و تدور نظريته فيها حول وظيفة الألفاظ , و وراثة اللغة و اكتسابها . أما أرسطو فيرى أن اللغة هى الأصوات التى نستخدمها فى نقل المعانى من شخص إلى آخر .. فالصوت هنا له معنى .

أما علماء النفس فيهتمون بدراسة اللغة من نواح ثلاث :

1- إنتاج اللغة : أى ما هى العمليات العقلية التى يتمكن بها الناس من قول ما يقولون ؟

2- إدراك أو فهم اللغة : أى ما هى العمليات العقلية التى يتمكن بها الناس من إدراك الكلام أو فهمه و تذكر ما يسمعونه أو يقرأونه ؟

3- اكتساب اللغة و ترقيها : أى كيف يتعلم الأطفال إنتاج اللغة و فهمها .

و إلى جانب ذلك هناك مباحث أخرى مثل اضطرابات اللغة , و علاقة اللغة بالوظائف المعرفية , و بالجهاز الهضمى و التفكير .. الخ

و عن وظائف اللغة فقد وضع هاليداى (Halliday) عددا من المهام التى تقوم بها اللغة :

1- الوظيفة النفعية : التعبير عن الحاجات و الرغبات .

2- الوظيفى التنظيمية : و تتمثل فى التحكم فى سلوك الآخرين بالطلب و الأمر .

3- الوظيفة التفاعلية : و تهدف إلى التفاعل مع الغير من أفراد المجتمع .

4- الوظيفة الشخصية : التعبير عن الرؤى و المشاعر و الاتجاهات , أى إثبات الهوية الشخصية .

5- الوظيفة الاستكشافية : استكشاف و فهم البيئة.

6- الوظيفة التخيلية : تتمثل فى الإنتاج الفنى (الشعر ) الذى يعكس الانفعالات و التجارب و الأحاسيس .

7- الوظيفة الإخبارية : نقل المعلومات إلى الآخرين سواء إلى جيله أو إلى الأجيال التالية و فى أماكن مختلفة .

8- الوظيفة الرمزية : باعتبار الألفاظ ترمز إلى موجودات فى العالم الخارجى .

و كان من نتيجة التقارب بين علم النفس و علم اللغة أن نشأ فرع جديد فى علم النفس سمى علم النفس اللغوى Psycholinguistics رغم أن علماء اللغة يصرون على أن للغة علما مستقلا هو الـ Linguistics ( وترجم إلى العربية تحت مسمى اللسانية أو الألسنية ) و هو علم ظهر فى ستينيات القرن الماضى على يدى فرديناند دى سوسير F. De Soussir) )

ثم جاء تشومسكى Chomsky و وضع منهجا جديدا سماه المنهج التوليدى الذى يرى أن دراسة اللغة يجب أن تقوم أولا على دراسة العقل الإنسانى , ولذلك يرى أن علم اللغة يجب أن يكون فرعا من فروع علم النفس الإدراكى , لكن البعض الآخر قد توسع فى الفهم فرأوا أن علم النفس اللغوى يدرس العلاقة بين اللغة و العقل الإنسانى مثل اكتساب اللغة باعتبارها عملية عقلية نفسية , و إدراك الكلام , و طبيعة العلاقة بين اللغة و التفكير و علاقة اللغة بالشخصية ...الخ .

-------------------------------------

حاشية

من الغريب أن العرب القدماء لم يعرفوا كلمة ( لغة ) بمعناها المتداول الآن , وإنما كان معناها لديهم ( لهجة ) فكان يقال ( لغة قريش ) و يقصد بها (لهجة قريش ) , بل إن الكلمة ( لغة ) لم ترد إطلاقا فى القرآن الكريم , و إنما وردت كلمة ( لسان ) لتسخدم للدلالة على ما يلى :

1- آلة الكلام : ( ألم نجعل له عينين , و لسانا و شفتين ) .

2- اللغة التى هى مجموع الكلمات و القواعد الموضوعة : ( و ما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ) .

3- الكلام , بمعنى الاستعمال الفردى للغة : ( لعن الذين كفروا من بنى اسرائيل على لسان داوود و عيسى بن مريم ) .

4- الأسلوب , بمعنى الخاصة الفردية للمتكلم : ( وأخى هارون هو أفصح منى لسانا , فأرسله معى ردءا ) .

إذن فكلمة لسان أكثر شمولية من كلمة لغة .

و قد استخدم ابن النديم فى الفهرست كلمة اللسان – لا اللغة – فقال : اللسان السريانى و اللسان اليونانى . و أطلق الفيلسوف الإسلامى الفارابى – فى إحصاء العلوم – على العلوم اللغوية اسم ( علوم اللسان ) , و أطلق عليها أبو حيان مصطلح ( علوم اللسان العربى ) و كذلك ابن خلدون فى مقدمته .

أما فى العصر الحديث فقد أطلق عليها الأب مرمرجى الدومينيكى اسم ( الألسنية ) سنة 1937 و كذلك الدكتور محمد مندور سنة 1946 .

مصطفى سلام

No comments:

Post a Comment