Tuesday, January 26, 2010

إصلاح العربية

إصلاح العربية


( آراء لـ طه حسين )

يتفق الجميع على أن اللغة العربية تعانى مرضا عضالا أورثها إياه أبناؤها الذين انصرفوا عنها فانصرفت عنهم و أغلقت دون عقولهم كنوزها و عجائبها ..

يقول الدكتور عثمان أمين فى كتابه : " فلسفة اللغة العربية " :

" و عندى أن هذا القصور ليس عيبا فى التربية القومية فحسب ، بل هو أيضا و على الخصوص عيب فى التربية الأخلاقية ، فإن من ينشأ على أن يحب لغة قومه ، استهتر بتراث أمته ، و استهان بخصائص قوميته .... " ، ثم يقترح المقترحات التى يراها لإصلاح حال العربية .

المشكلة التى أرّقت أستاذ الفلسفة الأسبق بجامعة القاهرة – د. عثمان أمين – رحمه الله – ليست وليدة عصرنا الراهن ، بل هى قد أرقت من قبل الدكتور طه حسين – رحمه الله ، فأطلق صرخات مدوية فى كتابه الشهير ( مستقبل الثقافة فى مصر) سنة 1938 – مناديا بضرورة إصلاح علوم اللغة العربية ، فـ " اللغة العربية الفصحى إذا لم نتناول علومها بالإصلاح صائرة – أردنا أم لم نرد – إلى أن تصبح لغة دينية ليس غير – يحسنها أو لا يحسنها رجال الدين وحدهم و يعجز عن فهمها و ذوقها – فضلا عن اصطناعها – و استعمالها غير هؤلاء السادة من الناس " .

و يرى طه حسين أن اللغة العربية الفصحى فى مصر ، إن لم تكن لغة أجنبية فهى قريبة من الأجنبية ، لا يستخدمها الناس فى أى مجال من مجالات حياتهم ، فى المنزل ، فى الشارع ، فى المدارس ، ( و لا يتكلمونها فى الأزهر نفسه !! ) .

إن أسلافنا الذين وضعوا علوم اللغة ، كان مقصدهم حماية اللغة من أن تفسد و تضيع ، و نحن – كما يقول طه حسين – نريد أن نصلحها و نيسرها لنحميها من أن تفسد أو تضيع .

إن فى عدم الإسراع فى إصلاح اللغة إثم على من يستطيعون و لا يفعلون ، فإن هذا الإصلاح ييسر للشباب قراءة كتاب الله فيفهموه ، و أحاديث النبى (ص) فيفقهوها .

و أول الطريق إلى الإصلاح هو تبسيط النحو ، فما من شئ يكرهه المتعلم أعظم من كراهيته لهذا التعقيد الذى يتميز به النحو القديم ، بل إننا نجد من يحسن اللغة الأجنبية و يفهمها و يستمتع بها على حين لا يجد فى لغته لذة و لا متاعا .

إن اتقان اللغة العربية فرض على كل الطبقات – أغنياء و فقراء ، قادرين و عاجزين ، أذكياء و أغبياء ..

إن إصلاح اللغة ليس إصلاحا للنحو فحسب ، و إنما هو إصلاح للنحو و الصرف و البلاغة ، و عصمة الناس من الوقوع فى الخطأ فى الكتابة و القراءة .. و مما اقترحه طه حسين فى هذا الخصوص أن تكون الكتابة تصويرا صادقا للنطق ، لا أن تصور بعضه و تلغى بعضه :

" أريد أن تصور الكتابة ما نسميه الحروف و ما نسميه الحركات تصويرا لا إهمال فيه من جهة، و تصويرا قوامه اليسر و السرعة و الاقتصاد فى الوقت و الجهد و المال ( أذكر أنى كنت قد قرأت له مقالا ذيله باسمه على هذا النحو تطبيقا لفكرته تلك : طاها - أى طه ). و يرى أن ذلك يغنى الناس عن تعمق النحو و إضاعة الوقت فى درسه .

و لقد ظهرت – فى ذلك الحين – فكرة التشبه بالأتراك فى كتابة لغتهم بالحروف اللاتينية – و لكن طه حسين قاوم ذلك مقاومة عنيفة .

و ليس معنى ذلك أن طه حسين يريد أن يلغى النحو إلغاء ، و إنما يريد أن يخفف من متاعبه على عموم الدارسين ، و أن يقتصر التعمق فيه على من يريد التخصص فى دراسة اللغة .

No comments:

Post a Comment