Tuesday, January 26, 2010

إجارة المستجير

إجارة المستجير

يزيد بن المهلب ، ورث الشهامة و المروءة عن أبيه أبى سعيد المهلب الذى جاهد فى سبيل الله حق الجهاد فمزق شمل الخوارج الذين مزقوا شمل المسلمين ردحا من الزمن ، حتى استأصل شأفتهم ، فكافأه الحجاج بن يوسف بأن ولاه ( أبا سعيد المهلب ) ولاية خراسان سنة 79 هـ فنشر الأمن و مد يمينه بالعطايا يساعده فى ذلك أولاده ، و المهلب هو العربى الذى جمع أولاده حين أحس بدنو الأجل و استحضر حزمة من السهام و قال لهم : " أترونكم كاسريها مجمعة ؟ ، " ، قالوا : " لا " ، قال : " حلوها ، أفترونكم كاسريها مفرقة ؟ .. قالوا نعم ، قال هكذا الجماعة .. و فى ذلك قال الشاعر :

كونوا جميعا يا بَـنى إذا اعترى .. خطب و لا تتفرقوا أفـرادا

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا .. و إذا افترقن تكسرت آحادا

ثم عهد إلى ابنه يزيد ، و كان غير حاضر هذا الاجتماع أن يخلفه فى ولاية خراسان ، فقال إخوته : لو لم تقدمه لقدمناه .. ثم فاضت روحه .

سار يزيد على سنة أبيه ، فنعم بولايته شعب خراسان : عين ساهرة ، نصرة للمظلوم ، مناهضة للباغى .. حتى عظم أمره و ذاع صيته ، فتوافد عليه أصحاب الحاجات ، و مدحه الشعراء .. مما اوقد الغيرة و الحسد فى نفس الحجاج فنهش الحقد قلبه ، و خشى على مكانه منه ، فوشى به إلى الخليفة الأموى عبد الملك بن مروان ، و رغم معرفة عبد الملك بيزيد و نقائه ، إلا أنه – تحت إلحاح الحجاج ، أذن لهذا الأخير أن يعزله ، فاستعمل الحجاج خبثه و نذالته فى الإيقاع بيزيد فاستقدمه إلى العراق ليستشيره فى بعض أمور الدولة ، فلما جاء قبض عليه و أودعه السجن و ولى مكانه قتيبة بن مسلم الباهلى .. و قد أساء الحجاج إلى يزيد بن المهلب إساءات بالغة و عذبه عذابا أليما و صادر كل ما يملك ، حتى حانت الفرصة ، فهرب إلى دمشق ، و كان الخليفة آنذاك هو الوليد بن عبد الملك .. لجأ يزيد إلى سليمان بن عبد الملك أخى الخليفة .

و لما علم الحجاج ، أرسل إلى الخليفة بذلك فأمر باستحضاره من بيت أخيه سليمان .. و هنا تبدو الأخلاق العربية الأصيلة :

كتب سليمان إلى أخيه يقول : " يا أمير المؤمنين : إنى ما أجرتُ يزيد بن المهلب إلا أنه هو و أبوه و إخوته من صنائعنا قديما و حديثا ، و لم أجر عدوا لأمير المؤمنين .. ثم شرح له ما فعل الحجاج بيزيد .. ثم قال : فإن رأى أمير المؤمنين ألا يخزينى فى ضيفى ، فإنه أهل الفضل و الكرم .....

أرسل إليه الوليد بضرورة إرسال يزيد إليه .. فقام سليمان فأحضر ولده أيوب ، و قيده ، و دعا يزيد بن المهلب و قيده ، ثم شد قيد هذا إلى قيد ذاك بسلسلة و غلـّهما و أرسلهما إلى الوليد و كتب إليه :

" أما بعد : يا أمير المؤمنين فقد وجهت إليك يزيد و ابن أخيك أيوب بن سليمان ، و لقد هممت أن أكون ثالثهما ، فإن هممت يا أمير المؤمنين بقتل يزيد فبالله عليك ابدأ بأيوب من قبله ، ثم اجعل يزيد ثانيا ، و اجعلنى إن شئت ثالثا !!!!!!!"

فلما دخل يزيد و أيوب على الخليفة فى قيدهما قال الوليد : " لقد أسأنا إلى أبى أيوب إذ بلغنا به هذا المبلغ " ، و عفا عن يزيد بعد أن تبين له كذب الحجاج ، و استحضر حدادا أزال عنهما الحديد و أحسن إليهما و وصلهما بالمال .

مصطفى سلام


17 ديسمبر 2007

No comments:

Post a Comment