Sunday, January 24, 2010

(محاورت (2


محاورات

2


عن التعليم

الابنة غالية القدر عالية الثقافة : ريم

سامحينى للتأخر فى الرد ، فهذه ثالث مرة أكتب تعقيبا على مكتبتك ، كنت فى كل مرة - و بفضل (زعل) المنتدى منى ، و تمرد الكمبيوتر علىّ - كنت أفشل فى إدراج الرد !!

ماشاء الله يا ابنتى الرقيقة ..
إن فى ردودك لعبرا لمن شاء أن يعتبر ، و دروسا لم شاء أن يتعلم !! .. بداية أقول لك بارك الله فى والديك ، فهكذا يكون الآباء ، يغرسون فى عقول أبنائهم و وجداناتهم حب القراءة التى تنير العقول و تصقل الشخصيات .. فهما - كما تفضلت و ذكرت - هما اللذان قدماك للقراءة ، و قدما القراءة إليك ، فخلقا منك إنسانة رائعة الثقافة ..
و من الدروس المستفادة : أن القراءة عادة تغرس فى النفوس منذ الصغر ، فإن غرسناها ، أنشأنا أجيالا تعشق الكتاب و تهوى الثقافة الرفيعة ..
و فى ردك على مشكلة ( صراع الحضارات ) ، بدا ذكاؤك الحاد ، حيث حولت الحديث إلى (تلاقى الحضارات ) أو تفاعل الحضارات ، و هذا هو المصطلح الحالى الذى تدور حوله أحاديث علماء الحضارة فى عصرنا الراهن ..
ثم كان حديثك عن توفيق الحكيم (الإسلامى) و إليزابيث بيشوب (الغربية الأمريكية) و إعجابك بهما دليلا على إيمانك بالتفاعل الحضارى بعيدا عن فكرة الصراع .
من ردودك علمنا أنك أمضيت فى المدارس المصرية سنتين : الرابعة الابتدائية و الثانية الإعدادية ، ثم ها أنت تدرسين بالمدارس الايرلندية .. فهل لك أن تكتبى لنا : كيف تنظرين إلى نظام التعليم فى كلتا البلدين : مصر و ايرلندا ؟ ... أعلم أن المقارنة تميل بدرجة 100% لصالح التعليم فى ايرلندا - كما بدا ذلك فى رد لك .. فهناك يخلقون العقلية التجريبية النقدية المبدعة ، و عندنا : نصنع العقلية المتخاذلة الحافظة !!
و إن ضاق المقام هنا لردك : فإن فى وسعك كتابة مقالة فى هذا الموضوع و وضعها بقاعة الصالون الأدبى و الثقافى بمنتدانا هذا ..
بارك الله فيك يا ريم .. فأنت فى الحقيقة نموذج للشباب يحتذى به ,,,


مصطفى سلام

والدي العزيز و أستاذي الفاضل مصطفى سلام..


مروركم و كلامكم شرف لي أعتز به كثيراً..
سعدت جداً جداً بإضافتك الكريمة للموضوع..
صراع الحضارات..
في الواقع لم ألحظ أن إنتقائي للحكيم و بيشوب
مربوطً بفكرة انسجام الحضارات لدي..
و لكن معك حق يا أستاذ مصطفى،
كثيراً ما نقول كلاما يعكس ما بداخلنا و نحن لا ندرك ذلك تماماً..

المدارس في ايرلندا و مصر..

كيف تنظرين إلى نظام التعليم فى كلتا البلدين : مصر و ايرلندا ؟

كما قلتم في البداية فأنا أميل إلى التعليم هنا في ايرلندا..
على فكرة، درست المناهج المصرية كاملة حتى الصف الثاني الإعدادي
و لكن قضيت من فترة دراستي هذه سنيتن في مصر.. أما الباقي فكان إما في السعودية أو هنا في ايرلندا..
المهم، نظرتي للتعليم المصري..
أعتقد أنه يحتاج إلى ثورة بأكملها ! كله، كله بكل شيء فيه يحتاج إما للتعديل أو تطوير أو تغيير .. (أو كل ذلك)..أذكر جيداً ذلك العام الذي قضيته في مصر أدرس منهج الصف الثاني الإعدادي..
مقارنة بالآن، فحينها أحسست أن أفكاري مكبوتة إلى حد ما.. (خصوصاً إني كنت أعيش في ايرلندا لسنتين قبل ذلك).. كنت أكره جداً جداً أن أحفظ و أحفظ .. و يا ليتني أحفظ شيء "ذو قيمة".. أكثرها كانت تفاصيل مملة قد تجعل الطالب يتوه عن معنى الدرس الأساسي.. والأفضل هو من يحفظ بالحرف المكتوب في الكتاب و يكتبه في ورقة الإمتحان..
في امتحان الدراسات الإجتماعية لنهاية العام جاءنا سؤال عجزت عنه اللجنة كلها (و هذه مشكلة آخرى: الغش و التهاون في الإمتحانات)
كان يجب علينا أن نعرف الشخص الذي ترمز إليه الجملة و كانت الجملة "كان حجة في العصر الفاطمي" .. أو "كان حجة في تاريخ العصر الفاطمي" .. لا أذكر بالتحديد.. و لكنه كان شيء غامض لا ملامح له على أي حال.. لنعرف الإجابة كان يجب علينا أن نذكر أن هذا الشخص لقب بـ "حجة" في الكتاب .. ! .. الطبيعي، هو أن يأتي السؤال بإحدى نظرياته أو كتبه أو أعماله، إلخ ..
و أكثر ما يضحكني هو أن الوزارة اسمها "التربية و التعليم" -التربية قبل التعليم- و لا أعلم أي تربية هذه التي تستهين بعقل الطالب و قدراته و تهمل مواهبه و تكبت افكاره و مشاعره و آرائه .. و لا تجعل منه سوى كوب تسكب في المعلومات لحين احتياجها ثم يتم التخلص منها..

هنا.. في ايرلندا.. كل شيء مهما كان يعتمد على الطالب بنسبة 80% و الكتاب و المدرس بنسبة 20% .. أدرس تاريخ، و عندما أقول هذا لأي شخص.. يقول لي لماذا انتقيتي التاريخ؟ انها مادة مليئة بالحفظ و مملة .. و لكنها في الواقع بعيدة عن ذلك كل البعد .. على الأقل هنا.. نعم، يجب على أن أعرف أن كذا كذا حدث و أن فلان فعل كذا ، إلخ .. و لكن ما تقيمه الدرجات في الإمتحان بنسبة أكبر هو قدرة الطالب على تحليل الموقف و نقده .. و رؤيته من جميع وجهات النظر و مختلف الأفكار .. و قد يكون هناك سؤال ما تختلف عليه الآراء .. و قد أكتب إجابة و تكتب زميلتي إجابة مختلفة تماماً .. و لكن كل منا تحصل على علامات نهائية .. النقطة هنا هي استطاعتي أن أعبر عن فكرتي و أثبتها و آتي من الحدث أو النص ما يؤيد ذلك .. و كأنهم يعلموننا أن لا نختلق افكاراً في الهواء.. ان كانت لدي وجهة نظر مختلفة فيجب أن أناقشها بأسلوب حضاري مقبول .. و كذلك في اللغة الانجليزية.. يا إلهي، في النصوص أو المسرح نتكاد نتسابق أي منا تفسيرها للنص سيكون الأدق و الأجمل .. و قد تختلف التفاسير.. كل منا و ذوقه و نظرته و لكن الأهم هو اسلوب التعبير .. حتى في المواد العلمية مثل الرياضيات.. هناك قانون يجب أن نتعلمه.. لكن هل هناك طريقة واحدة لا غير لحل مسألة ما ؟ لا .. يمكن التحايل على كل واحدة.. و هكذا تأتي الأسئلة في الامتحان.. لا تأتي أبداً بسؤال مباشر 1+1=2 .. بل يجب عليك أن تفكر و تستخدم معلوماتك و قد تختلف الأساليب و لكن الأهم أن تكون صحيحة و مبنية على اسس علمية..

بإختصار .. انا فخورة جداً أني درست بالمدارس الايرلندية لأنها أثرت كثيراً في شخصيتي بل تكاد تكون جعاتني أكتشف أكثر في نفسي ..
و التعليم في مصر فهو أكثر ما يحزنني.. لأن التعليم هو بداية خلق شخصية الإنسان.. هو تربية في حد ذاته.. و إن كان به خلل .. فعادة ما سيكون هناك "خلل"ما في حياة هذا الشخص ..

أعتذر منك للإطالة..
و أشكرك جداً مرة آخرى على مرورك الكريم يا أستاذ مصطفى..
كم فخورة أنا أني تعرفت على شخص رائع مثلكم..

الابنة الرائعة ريم:


لو أننى لا أعلم عمرك ( الزمنى ) و أغمضت عينىّ ، لتخيلتك إنسانا تعدى الخمسين من عمره , قد فعلت السنون و الخبرة فى عقله الأفاعيل ، فوصلت به إلى درجة لا يباريه فيها علماء و مربون و معلمون ممن صقلتهم التجارب ، و حنكتهم الخبرات !!
إن عمرك العقلى – يا بنيتى – لهو أضعاف أضعاف أضعاف عمرك الزمنى ..
إن تحليلك لنظام التعليم فى مصر مقارنا بمثيله فى ايرلندا لينبئ عن عقلية أثرت فيها الثقافة , و نماها نظام تعليم رائع بديع ..
أما عن التعليم فى مصر – بنيتى – فإنى – كمعلم سابق – تكاد عيناى تذرفان الدمع دما على ما آل إليه هذا النظام من اهتراء و تدن و درجة غير مسبوقة من الهوان ..
أذكر أنى فى بداية ستينيات القرن الماضى – كنت – كمعلم – أدرس للحصول على دبلوم فى التربية ، من كلية كانت تستقل بالدراسات التربوية بجامعة عين شمس بعد حصولى على الليسانس فى الفلسفة من جامعة القاهرة ..
و كنت مستمتعا للغاية بهذه الدراسات ، و كثيرا ما كنت أدخل فى مساجلات علمية مع أساتذتى الفطاحل بتلك الكلية .. هل تعلمين ما كانت تدور حوله الدراسات التربوية ؟ .. كانت تدور حول تطوير التعليم فى مصر بحيث يصبح مثيلا لما هو الآن فى مدارسكم بايرلندا !! .. منذ نصف قرن و نحن نطالب بالتطوير !!
بل – لو رجعت آنستى الرقيقة – إلى كتاب الدكتور طه حسين : " مستقبل الثقافة فى مصر " الذى نشره عام 1938 لوجدت نفس المشكلات التى يعانى منها نظامنا التعليمى الآن !! .. نفس المشاكل منذ سبعين عاما !!
لست أدرى : أهى بلادة فى عقول المسئولين عن التربية فى عالمنا المصرى ؟ .. أم هو الاستقرار المنشود حيث يبقى كل شئ على ما هو ؟
التعليم فى مصر يقوم – ضمن ما يقوم – على الحفظ و الاستظهار ، و يقوم على الفردية .. لقد تعودنا على ذلك ، أذكر – حين كنت طالبا بالمرحلة الثانوية – و كانت على زمانى خمس سنوات – جاءنا سؤال : علل لما يأتى : .... فوقفنا عاجزين عن الفهم : ماذا تعنى كلمة علل ؟!!!! ... حتى الكلمة كانت غريبة على أفهامنا .
أما الفردية : فأفضل الطلاب هو الذى " يحل المسألة قبل غيره " !! .. و لقد قرأت – زمااااااااان – أنهم فى اليابان يشكلون مجموعات من الطلاب ، يعطون لكل مجموعة مشكلة علمية أو رياضية .. الخ و يطلبون منهم التعاون على حلها ..
إنى لفى حل الآن من تبيان ما فى هذا الموقف التعليمى اليابانى من تنمية روح الجماعة فى البحث العلمى ، و ما فى النظام المصرى من روح الأنانية الى تبدو حاليا فى علاقة العلماء الباحثين بزملائهم و تلاميذهم .
فلنبك معا – آنستى النبيلة – على قبر التعليم فى مصر .. إذ لا أمل حتى فى التطوير ، بل أكاد أقول : و لا رغبة فى هذا التطوير ، فالنظام الذى يقوم على الحفظ و الاستظهار يخلق أجيالا لا تستخدم عقولها ، بل تقول : " سمعنا و أطعنا "
لك منى يا ابنتى كل المودة و التقدير ،،،

مصطفى سلام

والدي العزيز مصطفى سلام ..


شكراً جزيلاً لمرورك مرة آخرى ..
فقد زدتم الموضوع نوراً و ثراءً و رقياً ..
غريب حقاً أن هناك الكثير منا من يدرك المشاكل منذ أكثر من نصف قرن و مع ذلك لم يحدث أي تغيير مفيد في نظام التعليم.. و كأن أمثال حضرتكم من الأساتذة و المعلمين و أمثال طه حسين من الكتّاب لم يلتفت أحد إلى القضايا الهامة التي ناقشوها.. أو ربما بمعنى أصح كتبوا كتباً قيمة أعجبت آلاف النقاد و القراء و لكن لم يتخذ أي منهم فعل حقيقي لتنفيذ ما في هذه الكتب..
و كما تفضلتم فالعمل الجماعي مهم جداً أيضاً.. لأنه بدلاً من أن أكون "أنا" من اكتشف .. "أنا" من فعل .. "نحن" من حققنا .. و حققنا هذا الشيء من أجل هدف واحد نؤمن به جميعاً..
إنه حقاً لشيء مؤسف السلبية التي نعيش فيها في مجتمعنا اليوم..
نعم، ربما ليس هناك رغبة لدى المسؤولين في التغيير.. لكن سيأتي يوم يتغير فيه الحال.. بإذن الله..
سعدت جداً جداً بالحديث معك يا أستاذ مصطفى.. و يشرفني كثيراً أني التقيت بكم في منتدى أبناء مصر..
دمت لنا بخير دائماً..
مع خالص إحترامي و تقديري..


No comments:

Post a Comment