Friday, January 29, 2010

هبوط الفن الغنائى



هبوط الفن الغنائى



أعجتنى مشاركات السادة المعلقين على هذه المشكلة ـ و من منطلق تعقيب الأستاذة ليلة عشق أبدأ تعليقى .

كل بناء ينبغى أن تتوافر له عدة عناصر و أركان .. نرى هذا فى إنشاء مبنى ، مدرسة ، مستشفى .. الخ .

الأمر كذلك فى الفن .. و حديثنا هنا عن الفن الغنائى – لا بد للعمل الغنائى من توافر عناصر أربعة :

1- الكلمة .

2- اللحن .

3- الأداء .

4- المتلقى .

لو عدنا إلى زمن الجمال لوجدنا شوامخ الأعمال الغنائية تتمتع بالذروة فى كل عنصر من تلك العناصر ، لقد كنت أستمع منذ هنيهة إلى موسيقار الأجيال : العظيم محمد عبد الوهاب يشدو بقصيدة : الصبا و الجمال ، فما أن وصل إلى قوله : " أأنا العاشق الوحيد لتلقى تبعات الهوى على كتفيا ؟ " .. صدقنى ، و إن أردت أن أقسم لك أفعل ، لقد ذبت فى عالم أحسست أنه لا ينتمى إلى الواقع الحسى ، لقد رفعنى عبد الوهاب برقة الكلمات و روعة اللحن و عذوبة الصوت إلى عالم علوى لا يمت للأرض بصلة .

أنا أعشق كوكب الشرق أم كلثوم .. هل تدرى ما السبب ؟ ، لقد كنت أستمع إليها – فى الخمسينات من القرن العشرين تغنى أغنية رامى : سهران لوحدى – لا آبه لها و لا أهتم !!! حتى وصلت إلى قوله : " ياللى رضاك أوهام ، و السهد فيك أحلام ، حتى الجفا محروم منه " .. انتفضت .. يا خبر اسود !! ( و لا مؤاخذة ) .. حتى الجفا محروم منه ؟ .. أمال يبقى فاضل إيه ؟ .. و أصخت السمع إلى بقية الأغنية .. و منذ ذاك بدأت أتنبه إلى فن أم كلثوم السامى السامق ، فوجدت أنها جامعة تضم كليات متعددة : كلية رامى و كلية بيرم ، و كلية السنباطى و كلية زكريا أحمد و كلية القصبجى ... كلها كليات تصب فى جامعة واحدة هى : جامعة أم كلثوم .

و حتى ما بعد منتصف الستينيات كان هذا الفن راقيا سامقا ، ثم حدثت هزيمة 1967 ، و من سمات فترات ما بعد الهزائم ، الانحطاط – فى كل شئ ، فانحط الذوق ، و الكلمة ، و الموسيقى ، و الأداء .. بل انحطت الأخلاق و الآداب العامة ...

الأمم العظمى هى التى يقيض لها زعماء و إصلاحيون يتولون إصلاح ما أفسدته الحروب و الهزائم ، لكن الأمر لم يكن كذلك بعد الهزيمة ، و حتى بعد انتصار أكتوبر .... و استمر الحال على ما هو عليه ، انحطاط فى التعليم – تحديدا – مما أدى إلى فقدان تذوق الكلمة ، و الكسل الذهنى سعيا وراء ما لا يرهق العقل فى الفهم ، فكانت العدويات آنذاك ، و الشعبوليات حاليا .. الكلمة الجميلة لم تمت ، فمازال الشعراء يعطون ، و لكن الذوق هو الذى انهار !!

ثم تدخل الفن المرئى ليضيف إلى الأغنية إبهارا بصريا بغض النظر عن المستوى اللغوى أو الموسيقىّ اللحنى ، و الناس يفضلون المرئى على المسموع فهو أيسر و أبقى فى الذات.. فكانت الكارثة .. و نتج عن ذلك :

1- فقدان الاهتمام بجمال الكلمة .

2- فقدان الاهتمام بحلاوة الصوت .

3- أصبح معيار الإجادة فى اللحن هو مقدار الصخب فيه .

4- و أصبحت الحركة – الموحية بالغريزة – هى أساس النجاح .

أكاد أشبه العصر الفنى الحالى بذلك العصر الفنى الذى ساد بعد الحرب العالمية الأولى 1914- 1918 الذى اتسم بالهبوط الشديد على أمثال " ارخى الستارة اللى فى ريحنا " ، و " ياللا يا شاطر نروح القناطر" .. الخ ، لكن ذلك العصر البعيد صححه مبدعون أمثال : سيد درويش و أم كلثوم و عبد الوهاب ....

فهل لنا من سيد درويش آخر ؟

و أم كلثوم أخرى ؟

و عبد الوهاب جديد ؟

لهم الله أصحاب الآذان التى تنشد الرقى ...

و شكرا على طرح هذا الموضوع .

مصطفى سلام

16 يناير 2008 ( لمنتدى بيت الفن )

No comments:

Post a Comment