Thursday, January 21, 2010

لقاء السحاب

لقاء السحاب


(1)


(الست و الأستاذ )


قدمت أم كلثوم إلى القاهرة عام 1923 قادمة من طماى الزهايرة مركز السنــــبلاوين , و لكن محمد عبد الوهاب – الذى بدأ مشواره الفنى متزامنا مع أم كلثوم – كان قاهرى المـــــولد و النشأة . فقد ولد فى حى باب الشعرية لأب هو (عبد الوهاب محمد الشعرانى ) .

سار النجمان كل يشق طريقه وسط المصاعب و الأهوال , فى جو ملئ بالفن الفاضح الرخيص الملئ بالإشارات و الإيحاءات الجنسية المفزعة , لكن أصالة الريف فى الست و أصالة أبناء البلد فى الأستاذ نأيا بهما عن الخوض فى هذا البحر الصاخب الأمواج .

كانا متوازيين – و المتوازيان لا يلتقيان – و لكن كانت تربطهما علاقات ود و صداقة ,

كان يزورها و ُيسمعها و َيسمع منها , و لكن .. كل له لونه الخاص , فى منافسة شريفة خلاقة – لم تكن معروفة فى تلك الأيام.

و انقسم ا لناس فى ثلاثينيات القرن الماضى ( العشرين ) إلى حزبين : الحزب الكلثومى و الحزب الوهابى !! .

و العجيب أن لقاء السحاب فى (انت عمرى ) لم يكن المرة الأولى التى يلتقيان فيها فنيا – رغم تباعد اللونين الكلثومى و الوهابى – فقد كانا يشتركان فى الغناء فى الجلسات الخاصة و فى المنتديات الفنية .. و فى إحدى هذه الجلسات الخاصة التى تمت فى منزل الأستاذ على خيرت بالسيدة زينب , كان كلاهما مدعوا , فتقدم الأستاذ على خيرت إليهما برجاء أن يغنيا سويا .. فأمسك عبد الوهاب بعوده و أخذ يعزف لحنا لسيد درويش من أوبريت العشرة الطيبة .. و أخذ ت الست تغنى و هو يشاركها الغناء :

على قد الليل ما يطّول

حترضى بسهرى و بنوحى

و لقد كان للصحفى المشهور محمد التابعى فيللا فى راس البر و كانت ملتقى المشاهير , و كان لهما لقاءات غنائية فيها , إلى أن دعاهما الجراح المعروف عبد الوهاب باشا مورو- فى الأربعينيات - إلى بيته و كان من بين المدعوين كبار الأدباء و الفنانين , من بينهم الشاعر خفيف الظل كامل الشناوى , فكتب الشناوى – فى التو- متغزلا فى الفنانة كاميليا – التى كانت حاضرة الجلسة

لست أقوى على هواك و مالى

أمل لديك فارأف بحالى

إن بعض الجمال يذهل عقلى

عن ضلوعى فكيف كل الجمال

و اقترح فكرى أباظة – الذى كان حاضرا – أن يقوم عبد الوهاب بتلحين هذه الأبيات , و أن تقوم أم كلثوم بغنائها ....... و قد كان .....

لقاء السحاب


(2)


إنت عمرى


لقاء السحاب – أو إن شئت فقل لقاء فوق السحاب – هو أول لقاء فنى علنى بين الســـت و الأستاذ : أم كلثوم و عبد الوهاب .. و قد كان ذلك فى 5 فبراير 1964.

كان جمال عبد الناصر من أكبر عشاق فن أم كلثوم , و كان أيضا من أكبر مقدرى فن عبد الوهاب , فلا شك أن كليهما قمة لأكبر هرمين فى مصرو العالم العربى : هــــــــرم الغناء الكلثومى , و هرم الموسيقى الوهابى .

حين عانت أم كلثوم من حماقة أحد الضباط الأحرار – الذى كان مشرفا على الإذاعة فأمر بمنع أغانيها بالإذاعة – بادر عبد الناصر باستدعاء هذا الضابط و أنبه , و عادت الست إلى قمة هرمها .

و لقد أنعم عبد الناصر على كلا الهرمين بأرفع الأوسمة .

و فى أحد أعياد الثورة – قال عبد الناصر للقطبين : متى نسمع لحنا لعبد الوهاب تغنيه أم كلثوم ؟! .. فوعداه بتحقيق هذه الأمنية .. لكن !!!

و فى العيد التالى التقى بهما عبد الناصر كالعادة فى مثل هذه الأعياد استفسر عن الوعد الذى قطعاه على نفسيهما : لم لم ينفذاه ؟!!! – و قال لهما " لن أغفر لكما عدم اشترككما فى عمل فنى حتى الآن .. أين مجنون ليلى التى سمعت أنك تلحنها لها ؟ " .. و قال المشير عبد الحكيم عامر الذى كان حاضرا اللقاء : " المهم أى عمل فنى تشتركان فيه " .. فقالت الست " أنا جاهزة لأغنى أى لحن لعبد الوهاب " .. لقد كانت مترددة فى قبول الغناء لعبد الوهاب لأسباب منها اختلاف الألوان .

بعد فترة من الزمن .. قام أحمد الحفناوى – عازف الكمان الشهير – بزيارة عبد الوهاب فى بيته , فسمع عبد الوهاب يدندن بأغنية من تأليف الشاعر أحمد شفيق كامل :أغنية انت عمرى .. فذهب إلى أم كلثوم بهذا الخبر , فقامت الست بالاتصال بالأستاذ بالتليفون و طلبت السماع !!...

و كان اللقاء الذى طالما اشتاقت إليه الجماهير و تمناه العشاق و ظمأت إليه القلوب و الأسماع .

و هكذا – كما كان لعبد الناصر الفضل فى تأميم قناة السويس و بناء السد العالى , فقد كان له الفضل فى الجمع بين القمتين فى عمل سيظل التاريخ يذكره .

يقول عبد الوهاب عن ذلك اللقاء : " أول ما لحنت لأم كلثوم كنت كمن يزور عاصمة غريبة جميلة يسمع عنها و لا يعيشها ".

أبدع عبد الوهاب و أبدعت كوكب الشرق , و أحدثت الأغنية ثورة عارمة فى الوجدان العربى و فى عالم الغناء .. تحدثت الصحف و تكلم الناس و لم ينقطع الحديث ..

و مما جاء فى الأهرام : " فشلت محاولات رجال المرور فى تفريق الجمهور الذى احتشد عى ناصية شارعى مسرة و شبرا , يستمع إلى الأغنية من ميكروفون استأجره تاجر خردوات سجل الأغنية على شريط " ( أعتقد لأن رجال المرور أنفسهم وقفوا يستمعون !!)

و جاء فى الأهرام أيضا : " دمشق تلغى نشرة الأخبار و تذيع الأعنية " ....

و بدأ التعاون – بعد المنافسة – الذى أثمر عشر أغنيات .. كان آخرها : ليلة حب و غنتها فى 7 ديسمبر 1972.

و فى يوم حزين – 3 فيراير 1975 – انطفأت الشمس .. ماتت أم كلثوم .. و ما تزال الدموع فى المآقى حزنا على فراقها .

مصطفى درويش سلام

No comments:

Post a Comment