Wednesday, January 20, 2010

رسائل الحب

رسائل الحب


بين الورقية و الآلية


فى ذلك الزمن الرومانسى الجميل .. حين كانت العواطف متأججة بلهيب الحب و القلوب مفعمة بالشوق .. كان المحبون يتراسلون .. كيف ؟ كان العاشق يمضى ليله يقدح زناد فكره , و يستحضر عصارة قلبه ليخط بأنامله ما يعتلج فى قلبه , يزين الورق بعدة قلوب مرسومة متراصة , و بفروع أزهار و ورود جميلة .. ثم يجلس ليبدع .

لم يكن التليفون وسيلة متاحة لكثير من العشاق , و إن كان فإنه كان يخضع لرقابة صارمة من الأهل تفقده أهميته فى التواصل بين الأحبة , لذا قإن الكتابة على ورق ملون مزدان معطر هى الوسيلة الوحيدة للتواصل .

و لقد كان لحذق أهل ذلك الزمان باللغة و إتقانهم لها حافزا لهم للكتابة , و كانت الرومانسية تتجلى فى حفظ الشباب العاشق لكثير من الشعر الرومانسى الرقيق الذى يعينهم فى كتابتهم على التعبير عما يختلج فى النفس .

و لقد كان لمثل هذا اللون من التواصل أثر السحر بين الشباب – المراهقين خاصة – فى الوصول إلى قلب الحبيبة – أو الحبيب – فالكل متذوق للكتابة الشاعرة الحالمة التى لا يستطيع القلب مقاومتها .

و لقد توافقت بعض الأغانى القديمة مع هذا الاستخدام للرسائل كوسيلة اتصال بين المحبين .. و كان أشهر هذه الأغانى أغنية رجاء عبده ( البوسطجية اشتكوا .. من كترمراسيلى , و عيونى لما بكوا دابت مناديلى ) و كانت أغنية شهيرة للغاية فى ذلك الزمان .

اليوم : راحت على البوسطجية كمراسيل غرام , و ضاع التعبير الورقى , و استكانت اللغة لمصيرها المتداعى .. و حل محل ذلك استخدام الآلة فى التراسل الغرامى الذى لا يستلزم سوى كلمات هايفة على موبايل أو تعبيرات سطحية فى إيميل .. ليس فى الحب الآلى هذا أية مشاعر دافقة أو أحاسيس عميقة , فاللغة التى كانت الوسيلة ضاعت و ضاع أثرها فى القلوب .. و أصبح الحب لعبة بين موبايلين !!!

فى يوم من الأيام – فى ستينيات القرن الماضى – دعانى صديق – و كثيرا ما كان بعضنا يدعو الآخر – إلى الغداء فى مسمط .. و كان هذا المسمط

يقع فى أحد الدروب المتفرعة من سيدنا الحسين , كان مبناه أثريا يعود إلى العصور الخالية .. و تناولنا الغداء – على حسابه : سلطانية كوارع بالشوربة بالتربية ( الصلصة البيضاء ) = 5.5 قرش + طبق فتة فاخر بالثوم = 4.5 قرش = 10 قروش , يضاف إلى الوجبة كوب مية طرشى بلدى بالدقة , طبق طرشى بلدى مفروش تحته بعض الجرجير ( هذه الإضافات كلها مجانية ) .. ثم انتقلنا إلى قهوة الفيشاوى لنحتسى الشاى الأخضر ... و بينما نحن كذلك إذ به يفرغ قلبه علىّ قائلا إنه يحب فتاة و يريد أن يراسلها حتى تشعر بوجود , و قد تبادله نفس الإحساس !! و لأنه لا يجيد الكتابة الغرامية فقد لجأ إلىّ و قد كنت بليغا فى هذا المجال ( شقاوة ) .. أحسست بالمهانة , بأنه يرشونى , فأخرجت له ربع جنيه و قلت له هذا ثمن الأكلة متاعتى و متاعتك و تمن الشاى , وهممت بالانصراف غاضبا .. إلا أنه ظل يستعطفنى حتى قبلت . و فى تلك الليلة جلست الليل أقدح زناد فكرى , و أتخيل أنى محب ولهان , و كتبت و أخذ ماكتبت و خظه بيده و أرسله إلى محبوبنه ... و تكررت العملية ( بدون كوارع و إنما تطوعا فى سبيل الخير ) : أنا أكتب و هو يعيد الكتابة بخطه و يرسلها ..

و كانت النتيجة مما لا يحمد عـقباه !! فقد استجابت له المحبوبة و بادلته الحب , و تزوجا .. و لا أدرى هل عاشا فى تبات و نبات و خلفوا صبيان و بنات , أم عاشا فى نكد و ثبور و خلفوا بقر وحمير !!!

سامحونى لإدخالى هذه الذكرى على موضوع أردت أن يكون جادا .

مصطفى درويش سلام

No comments:

Post a Comment