Tuesday, January 19, 2010

الفن

الفـــن


حين نشر الشاعر الفرنسى بودلير ديوانه : " زهور الشر Les fleurs du Mal و خرج فيه عن التقاليد التى كانت سائدة فى ذلك الحين فى المجتع الفرنسى , وخرق قواعد الأخلاق .. هاجت الدنيا – فى فرنسا – و ماجت و انبرت الأقلام : هذا يهاجم و يندد , و ذاك يساند و يؤيد , و أقيمت ضده الدعوى الجنائية أمام المحاكم الفرنسية , و قام إميل زولا – الأديب الفرنسى – بالدفاع عن الشاعرمتبنيا قضية بزغت آنذاك : هل الفن للفن أم الفن للمجتمع ؟ .. هل يبدع الفنان من أجل الارتقاء بالمجتمع مراعيا فى إبداعه قواعد الأخلاق و تقاليد المجتمع ؟ .. أم أن الابداع هو مجرد نشر لخلجات المبدع , و مرآة لوجدانه , و تعبير حر عما يدور فى خلده ؟

و حسمت القضية فى فرنسا و فى الغرب عموما لصالح : أن الفن للفن .

و فى مصر ثارت هذه القضية فى النصف الأول من القرن العشرين على يد مفكرين عظام أمثال العقاد و سلامة موسى و توفيق الحكيم و زكى نجيب محمود و غيرهم .

فالعقاد : يربط بين الفن و الحرية , فالقدرة الابداعية لا تتبدى إلا فى إطار من الحرية , و لكن الحرية لا تقوم بغير قيود خاصة بشكل النشاط , فليس النشاط الفنى خروجا على كل قاعدة و إلا سرنا من جمال الوجود إلى العدم المطلق ... الفن ذو طابع فردى , لا يقيم وزنا لصلة الفنان بواقعه الاجتماعى .

(مقالات نشرت أعوام 1923 , 1944 , 1945)

سلامة موسى : الفنان هو ذلك الذى يختلط بالناس و يدرس مسائلهم الاجتماعية و الاقتصادية و يعرف كيف يعيشون و كيف يموتون و كيف يحبون و كيف يكرهون .. فالفن نقد للحياة هدفه الرفع من مستواها لنصل بها إلى المثل الأعلى .

(سلامة موسى : فى الحياة و الأدب )

توفيق الحكيم : يرفض مبدأ الفن الموجه أو الهادف , ليس لأنه يريد أن يعزل الفن عن الحياة , بل لأنه يريد أن يجعل الفن صورة مركزة من صور الحياة , و يقول : " الفن لا غاية له لأن الغاية تنتهى دائما بانتهاء الزمن , أما الفن فباق ... " لقد انقضت الغاية من تشييد الأهرام و فنيت الغاية من بناء البارثنون : دفن الموتى أو عبادة الآلهة .. غاية قد ماتت و بقى أسلوب الفن وحده خالدا فى الأهرام و البارثنون " ( تحت شمس الفكر- 1941 ) .

أحمد أمين : الفن المسخر لخدمة الضرورات اليومية فى المجتمع هو الفن الأرقى ..... و يرد عليه توفيق الحكيم : " و إذا كان فى الإنكان وجود فن يخدم المجتمع دون أن يفقد ذرة واحدة من قيمته الفنية العليا فإنى أرحب به و أسلم على الفور بأنه الأرقى " .

زكى نجيب محمود : يعلق أهمية كبرى على النشاط الفنى فى المجتمع البشرى – لا خدمة جماعة بعينها – بل المجتمع البشرى كله – الفن هو مناط الأمل للبشرية بأسرها , إذ فى رحابه يتحقق تآخى الإنسان مع أخيه الإنسان – و لا يكون ذلك إلا بالتحرر من قبضة الدولة أو المجتمع المحدود و الانطلاق نحو الإنسان .

و هو لا ينكر وظيفة الفن الاجتماعية , و إنما يريد أن يخلع عليه الطابع الإنسانى الواسع .

( زكى نجيب محمود – فلسفة و فن 1963)

مصطفى درويش سلام

No comments:

Post a Comment