بلاش سفسطة
إذا ما أصررت على الجدل و التمسك برأيك رغم وضوح خطئه و خطله .. سيقول لك محدثك : " بلاش سفسطة !! "...
فما هى تلك السفسطة ؟ !!
فى القرن الخامس قبل الميلاد , ظهرت فى بلاد اليونان نزعة فكرية تسمى السوفسطائية مشتقة اسمها من الكلمة اليونانية سوفيسطوس (Sophistos) و التى تعنى فى الأصل : المعلم فى أى فرع من فروع المعرفة , و اختص بها بعد ذلك معلم البيان أو اللغة , ثم لحق هذا اللفظ التحقير على يدى سقراط و أفلاطون لأن السوفسطائيين قد اتجهوا إلى الجدل و الانتصار للرأى بالحق أو بالباطل , و كانوا يفتخرون بقدرتهم على تأييد الرأى و نقيضه فى آن واحد .
و لقد اتجهوا – ضمن ما اتجهوا إليه – إلى الأخلاق فعاثوا فيها فسادا , و نشروا الشك فى كل الحقائق و القيم ...
ليس هذا فحسب , بل الشائنة التى لا تمحى من تاريخهم أنهم كانوا يتقاضون أجرا على تعليمهم الشباب , فكانوا يتنقلون بين المدن ينشدون الشباب الثرى يعلمونه لقاء أجر !!! و كان اليونانيون فى ذلك الحين يستقبحون أن يباع العلم و يشترى , و قد كان النظام العام هو أن يتخذ المعلم لنفسه مقرا يتقاطر إليه التلاميذ لينهلوا من علمه – أكرر : دون أجر !! .. و قد أخذ على السوفسطائيين أنهم نزلوا بالعلم إلى مستوى الحرف و الصنائع فلحقتهم المهانة .
ظلوا على هذا الوضع من المهانة حتى أنصفهم الفيلسوف الألمانى هيجل (1770 – 1831) و اعتبرأنهم دعاة التنوير فى العصور القديمة مشبها إياهم بفلاسفة التنوير فى مطلع عصر النهضة .
من طرائف السوفسطائيين : " هذه الطرفة تتطلب تركيزا عقليا لفهمها " :
ذهب تلميذ يريد أن يدرس القانون إلى محام سوفسطائى ليعلمه القانون , و اتفقا على أن يقوم التلميذ بدفع أجر تلك الدراسة من أتعاب أول قضية يترافع فيها و يكسبها بعد أن يتعلم على يد الأستاذ . و بعد انتهاء الدراسة , طالب المعلم تلميذه بالأجر .. فتهرب التلميذ بل تهرب من الترافع فى أية قضية حتى لا يدفع للأستاذ الأجر .. و هنا رفع الأستاذ على تلميذه قضية يطالب بأجره :
الأستاذ للقاضى : فى كلتا الحالتين سوف آخذ أجرى : فإن حكمتم لصالحى فبمقتضى حكمكم سآخذ الأجر , و إن حكمتم لصالح تلميذى فمعنى ذلك أنه قد كسب القضية , فبمقتضى الاتفاق بيننا ( يترافع فى القضية و يكسبها ) سوف آخذ أجرى !! .
أعتقد أن الأمر كان لا بد أن يقف عند هذا الحد و يدفع التلميذ لأستاذه .. و لكن وقف التلميذ أمام القاضى :
التلميذ للقاضى : فى كلتا الحالتين سوف لا أدفع له شيئا !! : فإن حكمتم لصالحى فبمقتضى حكمكم سوف لا أدفع له شيئا , و إن حكمتم له فمعنى ذلك أنى قد خسرت القضية و الاتفاق بيننا ينص على أن أدفع له ( فى حالة كسبى للقضية ) !!
منتهى السفسطة .. إثبات و إثبات النقيض .
من أشهر رجالهم : بروتاجوراس (480 – 410 قبل الميلاد ) , و جورجياس ( 480 – 375 قبل الميلاد )
مصطفى درويش سلام
No comments:
Post a Comment