سيدتى / آنستى :
إذن فلا بد من أن نفرق بين الحب و موضوع الحب .
فالحب كما نكابده به أمر لا يقبل الوصف : هل وجدت عالما – من علماء النفس مثلا – قد استطاع أن يحدد لنا تحديدا علميا ما يحس به المحبون ؟ .. هل وجدت شاعرا يصف لك بدقة – مهما كانت قدرته و موهبته الشعرية – ما يعانيه العاشقون ؟ كلها محاولات .. لكن – كما قلت لك إن الحب و مشاعر الحب تعلو على الوصف .. و ما يقوم به الشعراء فى ذلك المجال ما هو إلا تنفيس عن مكبونات النفس يصبونها فى قوالب اللغة كى يقربوها إلى قرائهم .
و فى هذا المجال يقول ابن حزم (الفقيه الأندلسى) فى كتابه " طوق الحمامة فى الألفة و الألاف " عن الحب : " دقت معانيه لجلالها عن أن توصف , فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة . و ليس بمنكر فى الديانة و لا بمحظور فى الشريعة , إذ القلوب بيد الله عز و جل ".
إذن فلنعتبر أن الحب هو قوة أودعها الخالق ذات المخلوق , يقيم بها الدنيا فيبنى و يشيد , و يعمرها فيبدع و يجدد ... و يسمو بها و يتطهر.. و لقد أحسن الموسيقار الفرنسى برليوز حين قال : " إن الحب و الموسيقى أقدر على التسامى بالبشر إلى أعلا عليين " .
و لو انتقلنا إلى الحديث عن موضوع الحب لوجدناه علاقة بين الأنا و الآخر.. قد يكون هذا الآخر زهرة جميلة , أو نهرا لعوبا , أو قطة أليفة .. أو عصفورا رشيقا , أو حمامة ورقاء ... فإن كان هذا الآخر انسانا مختلفا مع الأنا فى الجنس : أصبح الحب عشقا .
و لقد أقر فلاطون بأن القيم العليا فى الكون ثلاث : الحق و الخير و الجمال ... و قال بعضهم بل أربع : الحق و الخير و الجمال و... الحب . و قال آخرون : إن الحب إن كان موجها إلى الفكر و المعقول فإنه حب الحق , و إن كان موضوعه الفضيلة و السلوك الحسن فهو حب الخير , و إن كان تأملا لما هو جميل فى الكون فهو حب الجمال ... و بذلك خلصوا إلى القول بأن الحب هو حب الحق و الخير و الجمال .
سامحينى – سيدتى – فقد أطلت عليك بغير قصد منى .
و أشكر لك ( جمال ) توجيهك .
مصطفى درويش سلام
No comments:
Post a Comment