Monday, January 18, 2010

الحضارة و التحدى

الحضارة و التحدى


على ضفاف النيل – حين كان نهرا لعوبا شقيا غير منضبط – قامت الحضارة المصرية القديمة تحديا من المصريين لشقاوة النهر و محاولة لكبح جماحه .. و هذا مثل من الأمثلة التى تؤيد نظرية التحدى فى تفسير قيام الحضارات للمؤرخ البريطانى الأشهر أرنولد توينبى .

و فى مستهل القرن العشرين الفائت ، ظهر فى مصر جيل من عظام الرواد : مصطفى كامل ، محمد فريد ، محمد عبده ، أحمد لطفى السيد ، و آخرين ، كتحد لواقع أليم عاشته مصر منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر .. و هو الاستعمار البريطانى .

و فى بداية الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) فرضت بريطانيا الوصاية على مصر و انحلت بذلك الروابط التى كانت تربطها بالدولة العثمانية ، و انتهت الحرب كما هو معلوم باستمرار الاحتلال البريطانى .. فهب المصريون يتحدون الواقع الصعب .. فظهر جيل من الشوامخ كسعد زغلول و رفاقه .. و ثارت الأمة ثورة رائدة سنة 1919 – انتهت باستقلال مصر سنة 1922 ( بمقتضى تصريح فبراير 1922 ) .

لقد أصبحت مصر دولة مستقلة بعد طول غياب للاستقلال .. و بدأ التحدى الجديد : ما هى مصر ؟ ما خصائص الشخصية المصرية ؟ .. و استجابة لهذا التحدى ظهرت القمم التى ما زلنا نعيش على سفوحها : طلعت حرب يبنى لمصر شخصيتها و استقلالها الاقتصادى ، سيد درويش يعلن استقلال الشخصية الفنية المصرية ، و من بعده عبد الوهاب و جامعة أم كلثوم ، و فى مجال الفكرو الأدب يبزغ طه حسين و توفيق الحكيم و عباس العقاد و غيرهم ، و فى الشعر يشرق أمير الشعراء و شاعر النيل و غيرهما يذكون الروح الوطنية .

كـُثر هم أولئك الأفذاذ الذين لا يتسع المجال لذكرهم .. و لكن ذلك ما كان ليتم لولا الروح الليبرالية التى سادت فى أعقاب دستور 1923 .

كل ذلك تم تحت مظلة الشخصية المصرية ، حتى جاءت ثورة 1952 ، و رغم إقرارى بما لها من إيجابيات ، فإنى أرى أن لها سلبيات جسيمة ، تمثل بعضها فى التضحية بالروح الوطنية تحت دعوى الروح القومية .. فضعف الانتماء الوطنى ( لمصر) ، و لم يقو الانتماء القومى .. خسرنا الاثنين معا !!

فأين لنا من مرحلة ليبرالية جديدة نستطيع من خلال الحرية و التحدى أن نجعل الانتماء الوطنى هو القضية ؟ .. و كل ما عداها من قضايا التقدم و الرفاهية سيكون نتيجة لازمة عنها .

مصطفى سلام



No comments:

Post a Comment