Monday, January 18, 2010

الجدل

الجدل



هو أحد الطرق للوصول إلى الحقيقة عن طريق مقارعة الفكرة بالفكرة ، و مقابلة القضية (الفكرة) بما يناقضها وصولا إلى فكرة جديدة تكون مزاجا بين الفكرتين المتصارعتين .

و الجدل قد ورد فى القرآن الكريم فى سورة المجادلة التى جادلت فية امرأة رسول الله (ص) فى زوجها و اشتكت إلى الله .

كذلك أمر الله تعالى بالحسن منه فقال : " و جادلهم بالتى هى أحسن " .

و إنى لا أجد مثالا يضرب فى مجال الجدل ( تمحيص الأفكار من أجل الوصول إلى الحقـيقة ) أروع من موقف سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام الذى :

أولا :


· رأى كوكبا : قال هذا ربى (القضية "1" " يراعى أن كلمة القضية تعنى عموما الفكرة ") .

فلما أفل قال لا أحب الآفلين (القضية المناقضة للقضية "1")

· ثم رأى القمر (فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربى (القضية "2" ) .

فلما أفل قال لئن لم يهدنى ربى لأكونن من القوم الضالين ( نقيض القضية "2" )

· فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربى هذا أكبر (القضية "3" )

فلما أفلت قال يا قوم إنى برئ مما تشركون . إنى وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض .

و بالتالى فقد وصل بعد هذا التمحيص للأفكار إلى الحقيقة : " لا إله إلا الله " .

ثانيا :


" ألم تر إلى الذى حاج إبراهيم فى ربه أن آتاه الله الملك " :

· إذ قال ابراهيم ربى الذى يحيى و يميت .. (1)

· قال (الملك النمرود ) : أنا أحيى و أميت ( نقيض 1 )

· قال ابراهيم : فإن الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب (2)

· فبهت الذى كفر (نقيض 2)

و بهذا يصل إبراهيم إلى إثبات القضية التى يريد إثباتها ، و هى أن " لا إله إلا الله" .

و بعد إبراهيم الخليل عليه السلام بحوالى 1400 عام أتى فيلسوف اليونان

العظيم :


سقراط (469-399 ق.م)


الذى نحا بالجدل منحى مشابها ، و سماه ( التهكم و التوليد ) ، فى المرحلة الأولى ( التهكم ) كان يتصنع الجهل و يتظاهر بالتسليم بأقوال محدثيه ، ثم يلقى عليهم بالأسئلة و الشكوك حتى يعترفوا بخطأ آرائهم , و فى المرحلة الثانية (التوليد) يساعد محدثيه عن طريق الأسئلة المرتبة ترتيبا منطقيا على الوصول إلى الحقيقة التى يحسبون حينئذ أنهم وصلوا إليها بأنفسهم .

بهذا نستطيع أن نقول إن الجدل عند سقراط يتكون من مرحلتين : نقد و بنـاء .

و من بعد سقراط أتى تلميذه :


أفلاطون (427 – 347 ق م ) :


قام عرض أفلاطون لفلسفته على أساس ( المحاورة ) و المحاورات هى جدل بين متحاورين بهدف الوصول إلى الحقيقة

و قد قسم أفلاطون الجدل إلى قسمين : جدل صاعد هدفه الوصول إلى المعانى الكلية (المُـثـُل ) و جدل نازل هدفه تطبيق هذه الكليات على المحسوسات الجزئية .

ارسطو : (384 – 322 ق م ) :


· للجدل فوائد عديدة منها أنه رياضة عقلية ، و أنه منهج علمى يساعد على كشف المبادئ العلمية ، و يقوم على امتحان الآراء بالمقابلة بينها .

· وضع مبادئ الجدل فى كتابه (طوبيقا) الذى يتكون من عمليات القياس و الاستقراء ( استباط قضايا من قضايا )

ابن سينا :


فى كتابه المعنون " فى بيان وجوه الغلط فى الأقوال الشارحة" . وفى المقالة

الثامنة يدور الكلام حول الجدل أى قواعد السؤال و الجواب .

هيجل : (1770 – 1830م - فيلسوف ألمانى ) :


· عارض أرسطو الذى قامت فلسفته على مبدأ عدم التناقض .

· يقوم الجدل على أساس :

1. طرح قضية Thèse (أى فكرة ) .

2. الاتيان بنقيض هذه القضية Anti-thèse

3. التأليف بين القضية و نقيضها Synthèse و ذلك بالتوفيق بين الفكرتين المتعارضتين .

و منذ هيجل استقر الجدل على أساس التوفيق بين القضايا المتعارضة بقصد الوصول إلى قضية جديدة .. تقوم قضية أخرى أحدث بمعارضتها فيقوم العقل بالتوفيق بينهما بالوصول إلى تأليف أحدث ، ثم تقوم قضية أكثر حداثة .. و هكذا ... يكون الفكر ديناميكيا حيا متطورا دائما .


مصطفى سلام

No comments:

Post a Comment