Monday, January 18, 2010

المدن الفاضلة

المدن الفاضلة



لقد كان خلق دولة مثالية حلما يراود الفلاسفة منذ عهد أفلاطون (427-347 ق.م) ، و بداية ليس المقصود المدينة بل هى تصورات للدولة كانت بلاد اليونان آنذاك تتكون من عدة مدن كل منها عبارة عن دولة مستقلة عن الأخرى ، فكانت أثينا دولة , و اسبرطة دولة ..الخ .

وأفلاطون – على سبيل المثال قد كتب محاولات لرسم أساليب مثلى فى الحكم وضعها فى محاورتيه " طيماوس " و " كريتيا س " – وكذلك فعل أرسطو (384-322 ق.م) حيث وضع إطارا لدستور مثالى .

و لعل أشهر محاولات وضع تصور للدولة المثالية هو ذلك التصور الذى وضعه أفلاطون فى كتابه :


الجمهورية

الظروف المحيطة :


انتهت الحرب البلوبونيزية (431-404 ق.م ) بين أثينا الديمقراطية الحكم و اسبرطة الديكتاتورية الحكم بانتصار ساحق لاسبرطة و هزيمة ماحقة لأثينا – و كان أفلاطون فى الثالثة و العشرين من عمره عندما انتهت الحرب .. فكان لا بد له من الاهتمام بالقضايا السياسية و الاجتماعية مستخلصا الدروس المستفادة من تلك الحرب ... و من هنا كان كتابه " الجمهورية " محاولة منه لإعادة النظر فى نظام الدولة .

فكرة عن الجمهورية :

رأى أفلاطون أن النفس البشرية تنقسم إلى ثلاث قوى : الناطقة (العاقلة ) و الغضبية و الشهوانية ، يقابها فى المدينة ثلاث وظائف : الحكم و الدفاع و الانتاج .. و قد قسم أفلاطون الناس إلى ثلاث طبقات : الحكام (القوة الناطقة ) ، الجند (القوة الغضبية ) و الشعب .. و أسند مهمة الحكم للطبقة الأولى (الفلاسفة ) و الدفاع للطبقة الثانية و الانتاج للطبقة الثالثة .

ثم يبين أفلاطون طريق انتقاء أفراد كل طبقة من هذه الطبقات . و كيفية تربيتهم .. علما بأنه لا يفرق هنا بين الذكور و الإناث فى طبقة الجند (الحراس) فعلى المرأة أن تشارك فى الحراسة و الدفاع ، و على الدولة أن تتكفل بتربية الأبناء .

لقد تأثر أفلاطون فى جمهوريته بالأساليب التسلطية الإسبرطية ، تأثر المهزوم بثقافة المنتصر .

بالطبع .. لم يستطع أفلاطون تحقيق دولته المثالية تلك أبدا .


-------------------


و تتابعت المحاولات لوضع تصور للمدن الفاضلة .. و كان من بينها محاولة :


بلوتارك (46م - 119 م)

حياة ليكورجوس


و ليكورجوس كان حاكما ( قد يكون شخصية خيالية ) لاسبرطة . و يصور بلوتارك هنا صورة للمدينة الفاضلة .

وتدور الرواية حول ليكورجوس الذى وصل إلى السلطة عن طريق انقلاب عسكرى ، مستندا إلى استشارته لكاهنة معبد دلفى ( و هكذا الحكام المستبدون دائما يستندون إلى مبررات) .

شكل مجلسا جديدا للشيوخ من أتباعه و مؤيديه ( وكان المجلس القائم يحد من سلطة الملوك و يضمن الحرية للشعب) . ثم شكل مجلسا جديدا للشعب أمره أن يعقد جلساته فى الهواء الطلق .

ثم بدأ يشرع للحياة الاجتماعية ، فحدد الملكية الزراعية للتقريب بين الطبقات , و حارب الفخامة و الاسراف , و كان هو نفسه فى حياته و فى بيته مثالا للتقشف .

و محاربة للترف ابتكر ليكورجوس فكرة الموائد العامة , و حدد أنواع المأكولات التى يجب أن تؤكل و حرم على الناس الأكل فى بيوتهم !!!

وقد خطط للعلاقات الأسرية و مراسم الزواج و تربية الأطفال و التعليم ... الخ


-------------


فى عصر النهضة

ظهرت محاولات ارتبطت بالصبغة الدينية – كما نرى فى (مدينة الله De Civitate Dei) للقديس أوغسطين أو فى قصة الرحالة الإيرلندى القديس برندان .

يوتوبيا

سير توماس مور – 1516م


رواية – عن جزيرة خيالية - يسرد أحداثها (هيثلوداى البرتغالى ) – و فيها تصور لمدينة فاضلة تقوم على القضاء على الرذائل , خاصة تلك المنتشرة فى بلاط الملوك غير المكترثين بمعاناة شعوبهم .. و يعدد مور على لسان هيثلوداى الشرور التى يعانى منها المجتمع من كثرة النبلاء العاطلين عن العمل إلى السرقة و الاستجداء بسبب العوز، و وضع النبلاء اليد على الأراضى , و يهاجم الحروب , و يحارب الاستبداد بالشعب , و ينادى بضرورة العدالة فى التوزيع و التقشف فى إصدار القوانين .

إن المساواة هى طريق تحقيق الرفاهية للشعب , و الفضاء على الاحتكار الذى يؤدى إلى زيادة ثراء البعض و زيادة فقر الآخرين .

و يتحدث عن الأسرة و عددها المثالى , و عن الحكام و طريقة اختيارهم .

مدن فاضلة أخرى

· مدينة الشمس : لـ توماسو كامبانيلا (ولد سنة 1568م)

· أطلنطا الجديدة – لـ فرنسيس بيكون (1561-1626)

· مدينة المسيحيين – لـ فالنتين أندريا (1586-1654)

· ليفياتان – لـ توماس هوبز (1588-1679)

· أوقيانوسة – لـ هارينجتون (1611-1677)

و تتعدد مشاريع المدن الفاضلة ، و لكن المقال قد طال أكثر مما حسبت له , و لا أستطيع أن أختم دون إشارة إلى مشروع لمدينة فاضلة إسلامية وضع تصورها الفيلسوف الإسلامى أبو نصر الفارابى (870-950) .

مدينته هى حلم بإقامة مجتمع إنسانى راق يسند لكل فرد فيه ما يلائم قدراته , و أفراده متعاونون كما يتعاون أعضاء البدن , يخضعون للرئيس و يتشيهون به لأنه قد أوتى من الخصال الرفيعة و سلامة البنية و الذكاء و مضاء العزيمة و العدل ما يجعله مثلا يحتذى , و هو قريب جدا من الله بما أوتى من صفاء و نقاء .

لا شك أن هناك محاولات عديدة لتصور مدن فاضلة .. لكن المجال لم يتسع لذكرها ، فاقتصرت فى حديثى عن أهمها.. و الجدير بالذكر أن هذه كلها تصورات لم تجد طريقها إلى التطبيق .. بل إن أفلاطون – عندما حاول ذلك لدى صديقه دينسيسوس .. ثار عليه الأخير و قبض عليه و باعه فى سوق الرقيق ، لولا صديق له افتداه .


مصطفى سلام

21 سبتمبر 2006

No comments:

Post a Comment