التعليم و الدروس الخصوصية
الجذور
---
حين أراد محمد على باشا بناء دولة عظمى فى مصر كانت البداية هى التعليم . لقد كان التعليم قبله ينحصر فى التعليم الدينى الأزهرى , فجاء محمد على و أراد أن يبنى جيشا قويا , و لكنه اصطدم بحقيقة مروعة : أن طلاب الأزهر فى ذلك الحين لا يصلحون للنهوض بهذه المهمة نظرا لاختلاف الميول .
ففكر الباشا – بعد عدة محاولات معهم – فى إقامة تعليم عصرى .. بإيجاز: انقسم هذا التعليم إلى مراحل ثلاثة :
مرحلة المبتديان ( المدرسة الابتدائية ) , و التجهيزية ( المدرسة الثانوية ) , ثم بعد ذلك التعليم العالى فى مدارس الطب و المهندسخانة و الطوبجية (المدفعية ) .. الخ .. و فعلا تم له ما أراد , و بنى دولة عصرية فى جميع المجالات , و كذلك جيشا دوى صيت انتصاراته فى كل أرجاء المعمورة .
و لكن – انجلترا ( أمريكا ذلك الزمان عليهما اللعنة ) .. لم تشأ أن تدع ذلك الباشا يتحول إلى قوة عظمى فى مفرق الشرق , فكان ما كان من معاهدة 1840 التى قضت – بمباركة الباب العالى فى الآستانة – على آمال الرجل العظيم .
و خلف من بعده خلف أضاعوا – فيما أضاعوا – التعليم , حتى جاء العظيم الخديو اسماعيل فسار سيرة جده . لابد لكل من يقرأ إنجازات هذا الرجل أن يصاب بالدهشة , بل بالدوار من كثرة ما أنجز !! .. حتى تنبهت انجلترا – لعنها الله – إلى الخظر , فكادت المكائد حتى أطاحت به , و ولت مكانه ابنه الخائن توفيق الذى سارع بإلغاء كل ما فعل أبوه , فتم إلغاء مجانية التعليم و أغلق الكثير من المدارس , و تحول التعليم من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية , و عبن الاستعمارى (دنلوب ) مستشارا للتعليم فسارع إلى المعلمين و التلاميذ ليضع فى أذهانهم عقيدة استعمارية أن (مصر بلد زراعى فقط زراعى) .
و أصبح الهدف من التعليم – على يدى دنلوب – مجرد تخريج موظفين خانعين يعملون فى دواوين الحكومة .
و من كانت هذه فلسفته , فلا يهتم إلا بحشو أذهان التلاميذ بالمعلومات و الابتعاد بهم عن مجالات الإبداع و الابتكار . انتهت هذه المرحلة , و لكن الهدف ( الدنلوبى ) ما زال هو هدف التعليم حتى عصرنا الرهن !!
الأسباب
التعليم – مثله مثل أى عمل جاد آخر – يتطلب استراتيجية , تسمى فى مجال التربية ( الموقف التعليمى ) , وهذا الموقف يحتاج تكتيكا يحتوى على مقومات :
· الفلسفة العامة ( الأهداف العامة ) للتعليم .
· الفلسفة الخاصة لكل مادة تعليمية على حدة .
· المتلقى ( التلميذ ) : و هنا لا بد من الإلمام الجيد لسيكولوجية المتعلم (طفولة – مراهقة ).
· المعلم ( و هنا لا بد من الإعداد الجيد لأخطر مقومات الموقف التعليمى ) .
· المواد المطلوب استيعاب ( لا أقول حفظ ) التلميذ لها ..التى تتناسب و سن المتعلم و مستواه العقلى .
· اختيار طرق التعليم المناسبة .
· الوسائل المعينة على التعليم (الكتاب المدرسى – السبورة - الكمبيوتر..الخ ) .
هل أعددنا للتعليم كل هذه المواصفات ؟ .. أكاد أجزم : كلا .
فالفلسفة العامة للتعليم ما زالت كما هى حشو معلومات , تخريج ما يسمى متعلما لا يعلم شيئا , معلم أهمل اختياره و إعداده
و عدم اعتبار آدمية التلميذ ...الخ .
ثم إن التعليم فى بلدنا يهتم بالكم و ليس بالكيف .. نقول : افتتحنا كذا مدرسة , خرجنا كذا خريج .. و هنا كانت المشكلة : الكل يريد أن يتعلم (يحفظ ) و يحفظ أكثر حتى يدخل الجامعة , و تحول الأمر إلى صراع على الأماكن يستعان للوصول إليها بكل الوسائل المشروعة و غير المشروعة , فنشأ فى مجتمعنا مشكلات عدة منها الدروس الخصوصية , و الغش فى الامتحانات !!
العلاج
1. تغيير الفلسفة العامة للتعليم :
فينبغى أن تقوم هذه الفلسفة على تكريس روح التحليل و التركيب و الفهم و الإبداع و الابتكار.
2- الإعداد الجيد للمعلم . ( و من بينها دراسته لسيكولوجية المتعلم ).
3- تعويد التلميذ على الدرس و البحث و محاولة الوصول إلى المعلومة بنفسه .
4- الاختيار الجيد للمواد الدراسية المناسبة للمرحلة العمرية و المحققه لهذه الأهداف .
5- الإخراج الجيد للوسائل المعينة الأكثر تطورا ( و منها الكتاب .. الكمبيوتر ..الخ ).
6- تعديل النظام المدرسى بما يعطى للتلميذ دورا أكبر فى إدارة مدرسته , مع منح الإدارة المدرسية و هيئات التوجيه
سلطة الحساب ثوابا و عقابا .
7- اعتبار التعليم عملية استثمارية على اعتبار أن العنصر البشرى هو أحد مكونات الثروة القومية .
و لا أريد أن أختم باقتراح عنيف : تجريم الدروس الخصوصية و عقاب متعاطيها من المعلمين .
قليل من كثير ينبغى أن يقال لولا ضيق المجال .
مصطفى سلام
No comments:
Post a Comment