الأدب
يكاد يتفق أهل الأدب على معنى اصطلاحي له أنه
الكلام الإنشائى البليغ الذى يقصد به إلى التأثير فى عواطف السامعين و القراء ،
سواء أكان شعرا أو نثرا ، و تستخدم الكلمة أيضا بمعنى الظرف ( دائرة المعارف
للناشئين ) ، و قالوا أيضا إن الأدب هو حفظ أشعار العرب و أخبارها و الأخذ من كل
علم بطرف .
و يرى الباحثون فى تاريخ الأدب أن الكلمة
وجدت منذ العصر الإسلامى حيث لم يعثر عليها بهذا المفهوم فى الشعر أو الأدب
الجاهلى على وجه العموم ، و إنما وجدت كلمة (آدب) الداعى إلى الطعام و منها كلمة
مأدبة و هى الطعام الذى يدعى إليه ، و اشتقت على هذا كلمة (أدبَ يأدُب ) بمعنى صنع
مأدبة أو دعا إليها .
و قالوا إن الأدب هو السنة و السيرة ، فيقال
: تأدب بأدبه بمعنى اقتدى بسيرته .
و يظن أن من أقدم الكلام الذى وردت فيه هذه
الكلمة بنصها و مادتها حديث عتبة بن ربيعة أبى هند أم معاوية بن أبى سفيان حين تقد
أبو سفيان لخطبتها ، فقال أبوها عنه أنه : " يؤدب أهله و لا يؤدبونه ، فردت
عليه : " و سآخذه بأدب البَعل مع لزوم قـُبـّـتى و قلة تلفـُّـتى "- و
كان ذلك قبيل ظهور الإسلام بفترة وجيزة .
و
للمستشرق نللينو رأى ضعيف فى ذلك ، إذ يرى أن العرب فى الجاهلية كانوا يستخدمون
كلمة (دأب) فى معنى السيرة و السنة ، و جمعوها على ( آداب ) ثم توهموا أن ( آداب )
جمع أدب و دلوا بها على محاسن الخلق و الشيم .
و يستبعد الدكتور شوقى ضيف هذا الفرض و يرى
أن الأجدر أن الكلمة قد بدئ فى استخدامها للدلالة الحسية (الدعوة إلى الطعام) ثم
انتقلت إلى معنى ذهنى و هو الدعوة إلى المحامد و المكارم – و هذا الانتقال بين
المحسوسات إلى الذهنيات ليس بالأمر الغريب أو الشاذ .
و أشهر استخدام لها فى العصر الإسلامى قول
النبى صلى الله عليه و سلم :
" أدبنى ربى فأحسن تأديبى " ، آخذة
مفهوم التهذيب و التخلق الحميد .
كل
تلك الاستخدامات لكلمة الأدب لم تخرج عن معنى التأديب الذى هو تهذيب النفوس و
تحلية الطبائع بفضائل الأخلاق .
و قرب نهاية العصر الأموى و أوائل العصر العباسى
سلم الخلفاء ابناءهم إلى فئة من المربين و سموهم " المؤدبين " و كان من
بين مواد هذه التربية : الأخبار و الشعر إلى جوار العلوم القرآنية و السنة النبوية
المطهرة .
و
فى العصر العباسى تجاور المعنيان : التهذيب - و ما يبدعه المبدعون من شعر و نثر و
حكم و أمثال - مندمجين تحت مسمى الأدب ،
يتضح ذلك من رسالتى ابن المقفع : الأدب الصغير و الأدب الكبير ، و استخدمها أبو
تمام عنوانا للباب الثالث من ديوان الحماسة.
و
تتوالى المؤلفات التى تخصصت فى الأدب – و منها :
-
كتاب الأدب فى الجامع الصحيح للبخارى
-
الأدب لابن المعتز
-
البيان و التبيين للجاحظ ( خطب – نوادر ،
بلاغة ، نقد ...الخ )
-
الكامل للمبرد ( رغم اختصاصه باللغة لا
بالنقد و البلاغة )
-
عيون الأخبار لابن قتيبة
-
العقد الفريد لابن عبد ربه
-
زهر الآداب للحصرى
و أختم هذه الزمرة من الروائع و الرائعين
بابن خلدون الذى عرف الأدب
بأنه " حفظ أشعار العرب و أخبارهم و
الأخذ من كل علم بطرف " .
إذن
ففى العصر العباسى تطور الأمر نتيجة عملية الترجمة عن الأمم الأخرى ، فاتخذت كلمة
الأدب معنى جديدا – إضافة إلى معنى التهذيب - يختص بما ينتجه المبدعون من شعر و
نثر و حكم و أمثال ، و بدأت الكتب التى تحمل اسم الأدب فى الظهور مضافا إلى موضوعه
علوم أخرى كالنحو و العروض و البلاغة .
و فى القرن التاسع عشر استقلت هذه الكلمة على
النحو الذى نعرفه عليه اليوم : من شعر و نثر.
No comments:
Post a Comment